التي برَّزت في الخلوص كل التبريز، وقد خالطها من الزجاج الذي صُفِّى حتى ظُنَّ زَبرجدًا، والنحاس الذي عولج حتى حُسِبَ عسجدًا، ما هو أبهى منظرًا، وأعظم من مرأى العين خطرًا، وأكثر عِدَّة، واجدّ جِدَّة، حتى صاروا بها ألْهَج، وظنُّوا أنهم إليها أَحْوَج، فأتاح الله لهم رجلًا ناصحًا، وناقدًا بصيرًا، فأظهروه على ما لديهم من تلك الذخائر النفيسة المونقة، فقال لهم: قال رسول الله ﷺ: الدين النصيحة، وأنا أنصحكم لا للاقتناء ولا للاكتساب، ولكن لابتغاء الأجر من الله والثواب، هذا الذي اتخذتموه عُدَّة الدهر، وظننتموه أمانًا من الفقر، بعضه مال، وبعضه لَمْعُ آل، والياقوت يُختبَر بالنار، فيزيد حُسنًا بالاختبار، والزجاج لا يثبُت للنار ولا يصبر عليها، والزبرجد يُذيب أعيُن الأفاعي إذ أُدْنِيَ إليها. وطَفِقَ يأخذ معهم في هذه الأساليب، ويأتيهم فيها باذلًا جهده، ومستنفرًا جنده، بالغرائب والأعاجيب، ليوقع لهم اليقين، بما يصدق منها لدى الابتلاء وما يمين، فبعضهم أثنى وشكر، وأْتَمَرَ لما أمر، واستبدل بما يَعُرّ ويضُرّ ما ينفع لدى اللَّزَيات ويسرّ، وبعضهم تهاون بمقاله، واستمر على حاله، فعجمهم الزمان عَجْمة، وضَغَمتهم الحوادث ضَغْمة، وأصابت مدينتهم أزمة، فمن حزم، وعمل منهم بما علم، تخلص منها تخلُّص الشهاب من الظلماء، ومن أعرض عنه، وأنف منه، هلك هلاك العَجْماء في الفَيْفاء، عند عدم الرعْي والماء.
1 / 65