يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
وعلى الناظر في هذا الكتاب من أهل هذا الشأن إن كان ممن يَحتاطُ لدينه، ويجعل العلمَ مُزْلفًا له من ربه، أنْ ينظر، فإن تبيَّن له ما نُبيَّنه رجع إليه، وشكر الله عليه، وان لم يتبين له فليتوقف توقُّف الورع عند الأشكال، وان ظهر له خلافة فليبيَّنْ ما ظهر له بقولٍ أو بكتابة.
واني رأيت النحويين - رحمة الله عليهم - قد وضعوا صناعة النحو لحفظ كلام العرب من اللحن، وصيانته عن التغيير، فبلغوا من ذلك إلى الغاية التي أمُّوا، وانتهوا إلى المطلوب الذي ابتغوا، إلا أنهم التزموا ما لا يلزمهم، وتجاوزوا فيها القدر الكافي فيما أوردوه منها، فتوعَّرت مسالكُها، ووهَنَتْ مبانيها، وانحطَّت عن رُتْبَة الإقناع حججُها، حتى قال شاعر فيها:
ترنو بطرفٍ ساحرٍ فاترٍ ... اضعفَ من حُجَّةِ نحويّ
على أنها إذا أخذت المأخذ المبرَّأ من الفضول، المجرَّد عن المحاكاة والتخييل، كانت من أوضح العلوم برهانًا، وأرجح المعارف عند الامتحان ميزانًا، ولم تشتمل إلا على يقين أو ما قاربه من الظنون.
ومثل هذا المكتوب وكتب النحويين، كمَثَل رجال، ذوي أموال، عندهم الياقوت الرائق، والزبرجد الفائق، والذهب الإبريز، والورق
1 / 64