فسأله يائسا: والعمل؟ - لعل إصابتك عضوية، ولعلها أكثر مما قدرت، وفي هذه الحال يستحسن أن تستشير أخصائيا، وربما أحالك إلى طبيب نفسي.
فقال بضيق: إنه مشوار طويل. - ويحتاج إلى إرادتك في جميع الأحوال، وواضح أن صحتك ليست على ما يرام، وسأكتب لك بعض المقويات كخطوة أولى.
ولبث في العيادة حتى غادرها الطبيب للغداء، فوقف قبالة مخلوف زينهم قائلا: إني مصمم على نيل عفوك.
فقال الرجل ممتعضا: لا ثقة لي فيك ولا في غيرك. - لا أحد يستحق الثقة كما قلت، ولكن كثيرين يستحقون العطف. - أنكرتني والشمس تشرق ورجعت إلي وهي تؤذن بالغروب. - اغفر لي ذنبي ومد إلي يدك.
فهبطت حدته درجات، وهو يسأله: ماذا تريد؟
ذهبا معا إلى المقهى، فأرسلا الصبي لإحضار غداء من شوربة العدس ولحمة الرأس، وجعل يحكي له ما استجد في حياته من شقاء، وختم حكايته بنصيحة الطبيب محسن زيان، وكان يحدجه طيلة الوقت بنظرة كأنما تقول له: «أرأيت عاقبة إهمالك لنصيحتي»، ثم قال: نهاية ابني الشهيد معقولة أكثر من نهاية أمثالك، ولكن لا فائدة من الرأي والمشورة، الجميع مصممون على تكرار الأخطاء حتى ولو لم يداخلهم أدنى شك في النهاية يستوي في ذلك من فقد ذاكرته ومن لم يفقدها، والآن خبرني علام عولت؟!
فقال عبد الله بضيق: طريق الطب طويل وباهظ التكاليف. - وغير مجد في هذه الحال بالذات. - والعمل يا عم مخلوف؟ هل أزور الشيخ جابر عبد المعين إمام الزاوية؟!
فقال بغضب: لا هو إمام ولا الزاوية زاوية، إنه رجل جاهل عينته نعمة الله لخداع السذج، وهي التي شيدت الزاوية من مال حرام للخداع أيضا، إنها لعبة مكشوفة ولن تجد عنده رأيا ولا شفاء، عدا بعض السور الصغيرة التي كان يرتلها في المقابر كلما جاء موسم دون أن يفقه لها معنى.
فقال عبد الله بقلق: ولكني أخشى عاقبة الإعلان عن نفسي في الصحف. - معك حق، فقد تكون أخطر مما تصورنا، ولكن عندنا الشيخ كافور، فهو من رجال الله. - أهو يستعين بالسحر والعفاريت؟
فقال مخلوف زينهم بازدراء: إني أتحدث عن كافور لا عن نعمة الله الفنجري.
Bilinmeyen sayfa