المخلص
جرزياني (ترجمة طبق الأصل)
رمضان
أدركنا رمضان وأهل مصر يستصبحون بالشمع إلى أن طغى عليه اتخاذ الكيروسين، ثم نحن هؤلاء اليوم نستضيء بالكيروسين وبالغاز وبالكهرباء، فكيف كان حظ رمضان من الأضواء والأنوار في ذلك الزمان، وكيف كان حظه منهما في هذا العام؟
لقد كانت القاهرة والإسكندرية وسواهما من الحواضر الكبرى تستحيل إذا جن الليل في رمضان كتلة من النور، النور في أفنية الدور وفي غرفها وحجراتها، وعلى رءوس الأبواب. ثم في الشوارع من المصابيح العامة، ومن المصابيح التي يضطرب بها الأولاد صبية وصبايا، وأولئك يغنون: «ياما دللوك، يا وردة في السوق، وباعوك يا وردة ...» إلخ، وهؤلاء يغنين: «وحوي، وحوي، إياحة، بنت السلطان إياحة، لابسة القفطان...» إلخ.
ولا تنس أن السيدات كن إذا برزن إلى الطريق في رمضان لزيارة الأهل والصديقات سعين وبين أيديهن الخدم يحملون المصابيح الكبيرة يتألق كل منها بطائفة من الشموع، فتزيد الطريق نورا على نور!
أما نوافذ المناظر فمفتحة، ينبعث منها نور المصابيح، كما ينبعث منها النور الأعظم، أعني ترتيل القرآن الكريم، ولا تنس حظ المساجد الكبيرة على وجه خاص، من ذلك النور والإشراق في طرفي الليل جميعا، ففي صدر الليل صلاة العشاء، ثم صلاة التراويح، ثم تلك الأناشيد البديعة التي يتغنى بها المؤذنون فرادى وجماعات، فإذا كان السحر فتحت أبواب المساجد وأضيئت فيهما الثريات، وأقبل عليها الناس بعد الفراغ من سحورهم، فانتظموا في حلق يستمعون إلى دروس العلماء في تفسير كتاب الله، وفي حديث رسول الله وفي أحكام الشرع الحكيم، حتى إذا قال العلماء: «والله أعلم»، إيذانا بختام الدرس، أسرع الناس فانتظموا صفوفا؛ مولين وجوههم شطر الدكة في بهرة المسجد؛ ليسمعوا صوت أشهر قارئ في الحي، وناهيك بالشيخ حنفي برعي في مسجد السيدة فاطمة النبوية، وبالشيخ أحمد ندا في مسجد السيدة زينب - رضي الله عن السيدتين الكريمتين - ورحم الشيخين العظيمين!
وما دام حديث رمضان قد استدرجني إلى ذكر الشيخ أحمد ندا فلا بد لي من أن أقول فيه كلمة.
1
لقد ولدت في حي السيدة زينب، وساخت فيه مدة الفتوة، وصدرا من سني الشباب، ولست أذكر أني من عهد الصبا تخلفت في ليلة من ليالي رمضان، إذا كان السحر عن طلب مسجد السيدة زينب - رضي الله عنها - أستمع أولا إلى درس الحديث من أستاذنا العلامة الجليل الشيخ محمد السمالوطي عليه رحمة الله، حتى إذا فرغ منه في الوقت المقسوم، استوى الشيخ ندا على الدكة، وأنشأ يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم
Bilinmeyen sayfa