ومثل ما به قلنا من تصرف الحالات، في أهل القياس والمقالات، كمثل أهل الصناعات (من الأبنية والصباغات)(1)، فإذا كان منهم صانع محكم لعمله، محيط بأصل صناعته، عارف بابتدائها وانتهائها(2)، عالم بتأليفها وإحكامها، ثم ورد عليه مثال يمثله، أو شيء يحتذيه(3) ويصنعه احتذى فيما تصور من مثاله ، بما عنده من محكم أعماله، وأتى به على قياسه، لمعرفته بأصل قياسه، وإحكامه لما قد أحكم من أعماله، فعلى قدر تفرغه في البصر بأصول الصناعات، وتمكنه في المعرفة بها في كل الحالات؛ يكون إحكامه لتمثيل المثال على مثله، وتشبيه الشكل المطلوب منه بشكله، حتى يكون ما يأتي به مشابها لما يحتذي به، لا يخالفه في شبهه، ولا يفارقه في قياسه. ولن ينال ذلك غيره، ممن لم يحكم أصول عمله(4)، ولم يفهم متفرعات أنواع صناعته. فكذلك المتناول للقياس في الأحكام، المتعاطي لذلك من شرائع الإسلام، لا يجوز له قياسه، ولا يصح له مثاله، حتى يكون لأصول الدين محكما، ولشرائع العلم فهما(5)، وبمعرفة الكتاب والسنة قائما، فعند ذلك يكون في قياسه كاملا،(6) ولعلمه محكما، وعلى ما يطلب من ذلك كله قادرا.
Sayfa 679