والقياس فلا يجوز أبدا، ولا يكون أصلا بحيلة من الحيل، ولا يمكن أن يتناوله متناول، ولا يطول إليه متطاول، ولا يطمع به طامع؛ إلا من بعد إحكام أصول العلم بالكتاب، والوقوف على ما فيه من جميع الأسباب، من الحلال والحرام، وما جعل الله فيه من الأحكام، وبين تبارك وتعالى من شرائع الإسلام، التي جعلها الله سبحانه للدين قواما، وللمسلمين إماما، ومن بعد علم أصول السنة، وفهم فروعها المتفرعة، فإذا تمكن المتمكن في علمه وأحاط بجوامع(1) ما تحتاج إليه الأمة في دينها، ثم تفرع فيما لا غنى للأمة عن معرفته في جميع أسبابها، من حلالها وحرامها، وما جعله الله دينا لها، وافترضه سبحانه(2) عليها، فإذا تفرغ في علوم الدين، وأحاط بمعرفة ما افترض على المسلمين، فكان بذلك كله عارفا، ومن الجهل بشيء منه سالما؛ ثم كان مع ذلك ذا لب رصين، ودين ثابت متين؛ جاز له القياس في الدين، وأمكنه الحكم في ذلك وبه بين المؤمنين، وكان حقيقا بالصواب،حريا بإتقان الجواب، فأما إن كان في شيء مما ذكرنا ناقصا، أو عن بلوغه مقصرا، فلن يصح له أبدا قياسه، ولن يجوز له في دين الله التماسه؛ لأنه للأصول غير محكم، وبالفروع غير فهم، ولن(3) يقيس المثال على مثاله، أو يحذو الشكل على شكله؛ إلا العارف بمحكمات أصله، فإذا أحكم أصله؛ قاس بذلك فرعه(4).
Sayfa 678