وكما يقول المتنبي:
غير أنَّ الفتى يُلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يُلاقي الهَوانا
ثم قال: تخوفني ما تُخوف، وتصرفني عما تصرف، ولابد كيفما كنت أعلى رأيها أم على رأيي من يوم الأجل: يوم أغر محجل لشهرته يطول استماعي بعده للنوادب، أي: لن يندبه، كقوله:
ولوَ أنَّ الحياةَ تبقى لحيٍّ ... لعددنا أضلَّنا الشُّجعانا
وإذا لم يكن مِنَ الموتِ بُدٍّ ... فمِنَ العجزِ أن تكونَ جبانا
ولعل قومًا تحملهم جلافة طباعهم وكثافة أفهامهم وغلظ خواطرهم على الاعتراض على ما قلنا بقوله: يطول استماعي، فيقولون: كيف يصح استماعه وهو ميت، فنقول: كلام العرب جار على الاستعارة والاتساع في العبارة والمبالغة في الإبانة والمجاز دون الحقيقة، فإنها إن ردت إليها، ووقفت عليها بطلت حلاوة اللفظ، وذهبت طلاوة المعنى، وكم نطق القرآن بما قلنا، والنظم والنثر فيه السيل والليل، كقوله تعالى: (إنَّا سنُلقي عليكَ قولًا ثقيلًا)، وقوله تعالى: (أيحبُّ أحدُكم أن يأكل لحمَ أخيهِ ميتًا)، وقوله تعالى: (إنَّا اعتدنا للظالمين ناراَ بهم سُرادقُها)،
1 / 62