أنت أحقر من أن تعيش في جنة أو تتلظى في نار، مجرد كائن أناني يعيش كبرغوث على ظهر كوكب ضئيل، يسبح وسط حساء حطام كون فوضوي.
حبيبتك تخونك، وزوجتك تشتهي رجلا آخر في ماضيها، وحياتك دورة كيميائية عبثية، بلا غايات خفية من أي نوع، هي الفوضى، كل الفوضى، ولا شيء سوى الفوضى.
أنت مجرد ذكرى خافتة في ذاكرة كون عجوز رأى الكثير.
رأى الملوك، والأنبياء، والأغنياء، والجنود، والآلهة الزائفة، رأى كل هؤلاء يعبرون أمامه، يعربدون قليلا، ثم يختفون، وظل هو!
ستتلاشى كما تلاشى الملايين قبلك، وكما سيتلاشى الملايين بعدك، ومع ذلك تظن أن ليس من بعدك أو قبلك!
ستموت ببساطة وتتفكك إلى عناصرك الكيميائية الأولى، وتذوب في الأرض كأن لم تكن، ستتعفن كأي فأر نافق في زقاق شارعكم الخلفي، فقط، يحسب للفئران أنها أشد نبلا وصدقا؛ إذ لا تملأ الدنيا صراخا ولا تخترع قصصا خيالية لتطمئنها.
سنفارق كل من نحبهم، وسيفارقوننا، هذا حتمي، ثم نبكيهم، وتمر الأيام تدمل جراحنا ببطء لنشفى من ذكراهم وننسى، ننسى! تلك هي الهدنة الخادعة، فقط لتفجعنا في حبيب آخر، تستمر الحياة في صفعنا ومد لسانها الساخر، ونستمر في سذاجتنا بلا حدود.
تديننا وإيماننا بالله ما هو إلا وثنية مبتدعة، كوثنية الإغريق القدامى، عندما حاولوا تفسير ظواهر الطبيعة وكل ما لا يفهمونه بأقانيم خارقة، فمنحوا كل ظاهرة أيقونة رمزية وجعلوها آلهة توجهوا إليها بالعبادة والتوسل .
ولمحدودية عقولنا وسذاجتنا المفرطة خلقنا إلها على هيئتنا، كملوك العصور الوسطى، يضحك ويفرح، يغضب ويكره، يهدد ويهادن، ويفاضل بين مخلوقاته، فيكره النساء، والمختلفين فكرا وعقيدة، ثم يترك كل الكون الفسيح بمجراته وسدمه وثقوبه السوداء، ويتابع باهتمام ما يدور في خلف جدران غرف نومنا، وما نسره في أنفسنا، وما تغطي به نساؤنا شعورهن.
وكما صور اسبينوزا من قبل، أن الإله هو العالم الطبيعي وجوهر الروح والمادة، وأن الإنسان والمادة من خصائصه، وليس الإله المتعالي الذي يشغل نفسه بما يفعله البشر.
Bilinmeyen sayfa