وقد أفتى الإمام الغزالي بخلاف ذلك فنقول: سئل حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عمن يصرح بلعن يزيد بن معاوية، هل يحكم بفقه أم لا؟. وهل كان راضيا بقتل الحسين بن علي أم لا؟ وهل يسوغ الترحم عليه أم لا؟ فلينعم بالجواب مثابا. فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن مسلما فهو الملعون. وقد قال عليه السلام: ((ليس المسلم بلعان، وكيف يجوز لعن المسلم وقد نهينا عن لعن البهائم، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صح إسلام يزيد بن معاوية، وما صح قتله الحسين، ولا أمره به ولا رضاه بذلك، ولا كان حاضرا حين قتل و(مهما) لا يصح ذلك منه ولا يجوز أن يظن ذلك به، فإن إساءة الظن أيضا بالمسلم حرام وقد قال الله تعالى: {اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حرم من المسلم دمه ماله عرضه، وأن يظن به ظن السوء)) ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به فينبغي أن يعلم أن به غاية الحماقة، فأمن قتل الملوك والأمراء والكبراء بحضرتنا لو أردنا أن نعلم حقيقة الأمر من الذي أمر بقتله، ومن الذي يرضى به، ومن الذي كرهه لم نقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جوارنا وزماننا ونحن نشاهده، فكيف بمن قتل في بلد بعيد وفي زمن انقضى، فكيف يعلم ذلك فيمن انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد، وقد تطرق التعصب في الواقعة وكثرت فيها الأحاديث من الجانبين، فهذا الأمر لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى، وإذا لم يعرف وجب إحسان الظن بالمسلم، بل كل مسلم يمكن إحسان الظن به، ومع هذا، فلو ثبت على مسلم أنه قتل (مسلما)، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر والقتل ليس بكفر بل معصية وقد أمرنا الله بإحسان الظن بالمسلم مهما أمكن، وإذا مات القاتل ربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته فكيف بمؤمن تاب عن قتل. ولم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة وقد قال الله تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات}. (فإذن) لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين بعينه لم يروه النص، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله تعالى، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع بل ولو لم يلعن إبليس طول عمره مع جواز اللعن عليه لا يقال له يوم القيامة: لم لا تلعن إبليس؟ ويقال للاعن: لم لعنت ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون -والملعون هو المبعود من الله تعالى- وذلك علم الغيب؟ لا يعرف إلا من مات كافرا بأن ذلك علم بالشرع، وأما الترحم عليه فجائز، بل مستحب، بل هو داخل في قولنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمنا والله أعلم بالصواب)). كتبه الغزالي.
Sayfa 59