ملكه إِلَّا مَا يَشَاء فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَإنَّهُ لَا يظلم أحدا وَإنَّهُ لَا تنقص خزائنه وَلَا يبيد مَا عِنْده أبدا (تَنْبِيه) ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث أَلْفَاظ يُوهم ظَاهرهَا التَّشْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى «على الْعَرْش اسْتَوَى» و«يَدَاهُ مبسوطتان» وكحديث نزُول الله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَغير ذَلِك وَهِي كَثِيرَة تفرق النَّاس فِيهَا ثَلَاث فرق (الْفرْقَة الأولى) السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين آمنُوا بهَا وَلم يبحثوا عَن مَعَانِيهَا وَلَا تأولوها بل أَنْكَرُوا على من تكلم فِيهَا «والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ أمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا» وَهَذِه طَريقَة التَّسْلِيم الَّتِي تعود إِلَى السَّلامَة وَبهَا أَخذ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر الْمُحدثين (الْفرْقَة الثَّانِيَة) قوم حملوها على ظَاهرهَا فلزمهم التجسيم ويعزى ذَلِك إِلَى الحنبلية وَبَعض الْمُحدثين (الْفرْقَة الثَّالِثَة) قوم تأولوها وأخرجوها على ظَاهرهَا إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ أَدِلَّة الْعُقُول وهم أَكثر الْمُتَكَلِّمين وَالله أعلم
الْبَاب السَّادِس فِي الْإِيمَان بملائكة الله وَكتبه وَرُسُله
اعْلَم أَن (الْمَلَائِكَة) عباد الله مكرمون عِنْده يعبدونه ويسبحونه ويطيعونه وَلَا يعصونه وَلَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ فَمنهمْ حَملَة الْعَرْش وسكان السَّمَوَات وحفظة على بني آدم وموكلون بالأمطار والنبات والنطف والأرحام والتماس مجَالِس الذّكر وَلَا يُحِيط بعددهم إِلَّا الله وَإِن الله بعث الْأَنْبِيَاء وَأرْسل الرُّسُل مبشرين ومنذرين وَمِنْهُم من سَمَّاهُ الله فِي الْقُرْآن وَمِنْهُم من لم يسمه وأولهم آدم أَبُو الْبشر وَآخرهمْ سيدهم (مُحَمَّد) ﷺ النَّبِي الْأُمِّي خَاتم النَّبِيين وَإِن الله أنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل الْأمين بِالْقُرْآنِ الْمُبين كَمَا أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَأنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَأنزل الزبُور على دَاوُود وَأنزل صحفا على غَيرهم من الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَقَالَ تَعَالَى «قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ من رَبهم لَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ» وَأَن الله أوجب على جَمِيع الْأُمَم بِالدُّخُولِ فِي دين الْإِسْلَام «وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين» وَأَن الله آتى كل نَبِي من الْآيَات مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَلما كَانَت رِسَالَة نَبينَا ﷺ أَعم وشريعته ناسخة لما تقدم اقْتضى ذَلِك أَن تكون براهينه أظهر وآياته أبهر وَدَلَائِل صدقه أكبر وَأكْثر مُبَالغَة فِي إِقَامَة الْحجَّة وإيضاحا لسلوك المحجة فَلَقَد أيده الله بأنواع من الْآيَات الباهرة والعلامات الظَّاهِرَة فِيهَا عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب وَمَا أَحْوَاله وأقواله وأفعاله إِلَّا الْعجب العجاب وَلَقَد أحصى لَهُ عُلَمَاؤُنَا رضوَان الله عَلَيْهِم ألف معْجزَة وَهِي ترجع إِلَى خَمْسَة أَنْوَاع (أَحدهَا) الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أعجز الْإِنْس وَالْجِنّ على الْإِتْيَان بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا وتضمن من الْعُلُوم الالهية وَالْحكم
1 / 13