İngiltere ve Süveyş Kanalı: 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Türler
فهذا كان من أسباب فشل مشروع صدقي-بيفن، وفشل المفاوضات التي تلته، بل وقطعها، فأعلن رئيس الحكومة النقراشي باشا في أواخر يناير سنة 1947 أن معاهدة سنة 1936 غير قائمة، وأعلن مستر بيفن من جانبه في مجلس العموم تمسكه بأحكام معاهدة سنة 1936، واشتدت الأزمة من جديد، وأصبح لا معدى لمصر من التقدم إلى مجلس الأمن، وهو الهيئة الدولية القائمة المعترف بها.
لذلك لم تجد الحكومة المصرية بدا من أن تتقدم في 8 نوفمبر سنة 1947 بشكوى إلى مجلس الأمن، معلنة أن وجود قوات أجنبية في وقت السلم في مصر التي اشتركت في هيئة الأمم المتحدة، وبغير رضا المصريين، فيه استهتار بوجودها كدولة مستقلة، وفيه اعتداء على كرامتها، وجرح لشعورها، وتناقض صريح مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة وقرارها الذي صدر في 14 ديسمبر سنة 1946، بل إن وجود الجنود الإنجليز في القناة ومنطقتها يحمل في طياته خطرا كبيرا على السلام العالمي، ويتعارض مع نمو مصر كدولة مستقلة، ووجود هؤلاء المحتلين لم يجعل المفاوضات حرة في الماضي، ولن يجعلها حرة في المستقبل، وأعلنت الحكومة المصرية أن معاهدة سنة 1936 لم تعد تربط مصر، لتعارضها مع ميثاق أعم وأوسع هو ميثاق هيئة الأمم المتحدة؛ ولذلك تطالب مصر بالجلاء التام للقوات البريطانية عن مصر وعن السودان أيضا.
وذهب النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية إذ ذاك إلى ليك سكسس، وفي خطاب طويل وصف العلاقات المصرية الإنجليزية من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أعلن ثقته التامة في عدالة ميثاق هيئة الأمم والمبادئ التي تضمنها ميثاق الأطلنطي، أبان أن مسألة النزاع بين مصر وبريطانيا لم تعد مسألة محلية تمس دولتين فحسب، بل هي مسألة ذات خطر كبير تمس السلام في كل الشرق الأوسط، وأن مصر قد تريثت وطال تريثها، انتظرت إلى انتهاء الحرب العالمية الأخيرة لتناقش بريطانيا في أمر علاقاتهما، والرأي العام المصري مجمع على جلاء الإنجليز عن كل المناطق التي يحتلونها، ولهذا لم تجد الحكومة المصرية بدا من أن تتقدم بمطالب الشعب المصري إلى الحكومة الإنجليزية مبينة أن معاهدة سنة 1936 قد عقدت في ظروف دولية خاصة تختلف تماما عن الظروف الحاضرة، وأن موادها وضعت لمعالجة مسائل خاصة مؤقتة، ولكن إنجلترا أصرت في أول الأمر على بقاء قواعدها الحربية في مصر، ولكنها عادت تطلب إنصافها بأن يحكم هذا المجلس بجلاء الإنجليز مباشرة عن مصر؛ عن قناة السويس والسودان بغير شروط، فمعاهدة سنة 1936 لم تقم في جو من الحرية يكفل للجانب المصري حقوقه، فلقد عقدت وجنود الاحتلال قائمون في مصر، عقدت تحت التهديد، بأنه إذا لم تسفر المفاوضات عن نتيجة فستتخذ إنجلترا لنفسها موقفا جديدا.
وبعد ذلك، فهذه المعاهدة متعارضة مع المعاهدة الدولية التي عقدت في سنة 1888 الخاصة بقناة السويس، والتي نصت على أن القناة مفتوحة لكل السفن وقتي السلم والحرب، وأن الدفاع عنها موكول للحكومة المصرية، فبريطانيا قد نقضت هذه المعاهدة الدولية، إذ أعطت لنفسها في معاهدة 1936 من الناحية الفعلية حماية القناة.
وبعد ذلك، فمعاهدة 1936 متناقضة مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة، فهي تنص على تحالف أبدي، في الوقت الذي ليست فيه لبريطانيا حدود مع مصر ولا روابط مشتركة، فكل ما تريده بريطانيا هو أن تربط مصر بعجلة الاستعمار البريطاني، وهذا في ذاته يخالف كل المخالفة مبدأ المساواة الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، فالميثاق قد نص على احترام مبدأ المساواة في حقوق السيادة لكل الشعوب المشتركة في هيئة الأمم؛ ولذا فلن تستطيع مصر أبدا قبول وجود قوات أجنبية في بلادها بغير رضاها، وخاصة في وقت يسود فيه السلم، وإن مصر التي قبلت الدخول في نظام فيه التعاون الجماعي لمستعدة لتحمل نصيبها من المسئولية.
كانت هذه حجج الجانب المصري، وأما الجانب البريطاني الذي كان يمثله في مجلس الأمن سير ألكسندر كادوجان، فلقد ذكر أن المعاهدة موجودة ولم تنته بعد، ولذا فقوات إنجلترا باقية في قناة السويس.
وأن الحكومة البريطانية قد وافقت في مشروع صدقي باشا-بيفن على أن يتم الجلاء عن مصر وقناة السويس في أول سبتمبر سنة 1949، وأن الإنجليز قد نفذوا ما وعدوا به إذ انسحبوا من القاهرة والإسكندرية في 31 مارس سنة 1947، ولكن المشروع الذي ووفق عليه في أول أكتوبر سنة 1946 رفضته مصر، ولو أن مصر وافقت على بروتوكول الجلاء ومعاهدة التعاون المتبادل لتم جلاء القوات الإنجليزية في الموعد المضروب، ولكن المشروع كله رفض لعدم الاتفاق على مسألة السودان، ولذا فالبنسبة لمسألة الجلاء عن القناة ليس لمصر قضية تقدمها لمجلس الأمن.
وأضاف سير ألكسندر كادوجان بأنه لما رفضت مصر ذلك المشروع ظلت معاهدة سنة 1936 باقية، وتبقى إلى سنة 1956، وشرع مندوب إنجلترا يدلي بوجهة نظر الحكومة الإنجليزية بأن معاهدة سنة 1936 معاهدة قانونية.
ثم أخذ بعد ذلك يدلل على أن وجود القوات البريطانية في القناة لا يتنافى وميثاق هيئة الأمم المتحدة، فطالما وجود هذه القوات قد نصت عليه المعاهدة، هذا يجعله غير متناقض مع الميثاق، ثم عرج على مسألة الرضا والاختيار في إمضاء المعاهدة، وذكر أنه منذ سنة 1922 ومصر ترفض بالفعل مشاريع معاهدات مع إنجلترا، فهل كان ممثلو مصر في سنة 1936 - كما يقول - أقل حرية من النحاس باشا في 1930 أو ثروت باشا في 1927 أو محمد محمود باشا في 1929؟ ثم ذكر أن هذه المعاهدة عرضت على البرلمان المصري ووافق عليها بأغلبية 203 إلى 11 صوتا، واستشهد ببعض تصريحات لرجال السياسة المصريين في ذلك الوقت مؤيدة لهذه المعاهدة، واستمر يعدد فيما رآه محاسن لهذه المعاهدة.
وذكر سير ألكسندر كادوجان أن وجود القوات الإنجليزية في القناة بمعاهدة لا ينقص من حقوق مصر في السيادة، دلل على ذلك بضرب أمثلة لمعاهدات من هذا النوع، تنص على وضع قوات أجنبية في بلاد دولة محالفة؛ ففي اتفاقية 1941 - كما يقول - تتمتع الولايات المتحدة بوضع قوات في جملة قواعد على أرض بريطانيا ... والاتحاد السوفييتي بمعاهدة أغسطس 1945 مع الصين أصبح له الحق في استخدام ثغر بورت آرثر لقواته الحربية والبحرية والجوية لمدة ثلاثين عاما ...
Bilinmeyen sayfa