كان يوسف بن عمر يتولى العراقين لهشام بن عبدالملك وكان مذموما في عمله، حدث المدائني قال: حدثني رضيع: كان ليوسف بن عمر من بني عبس قال: كنت لا أحجب عنه وعن حرمته، فدعا ذات يوم بجوار له ثلاث، ودعا بخصي أسود يقال له: حديج؛ فقرب إليه واحدة فقال لها: إني أريد الشخوص، أفأخلفك أم أشخصك معك؟ فقالت: صحبة الأمير أحب إلي، ولكني أحسب أن مقامي وتخلفي أعفى وأخف علي، فقال لها: أحببت التخلف للفجور، اضرب يا حديج! فضربها حتى أوجعها، ثم أمره أن يأتيه بأخرى قد رأت ما لقيت صاحبتها، فقال لها: إني أريد الشخوص، أفأخلفك أم أخرجك؟ قالت: ما أعدل بصحبة الأمير شيئا بل يخرجني، فقال لها: أحببت الجماع ما ترين أن يفوتك! اضرب يا حديج! فضربها حتى أوجعها، ثم أمر بالثالثة أن يأتيه بها وقد رأت ما لقيت المقدمتان، فقال لها: أريد الخروج أفأخلفك أم أشخصك؟ قالت: الأمير أعرف أي الأمرين أخف عليه، قال: اختاري لنفسك، قالت: ما عندي لهذا اختيار فليختر الأمير، فقال لها: فرغت أنا الآن من كل شيء ومن كل عمل، ولم يبق علي إلا أن أختار لك! أوجع يا حديج؛ فضربها حتى أوجعها، قال الرجل: وكأنما يضربني من شدة غيظي عليه، فولت الجارية وتبعها الخادم؛ فلما بعدت قالت: الخيرة والله في فراقك، ما تقر عين أحد بصحبتك، فلم يفهم يوسف كلامها، فقال: ما تقول يا حديج؟ قال: قالت كذا وكذا، فقال يوسف: يا ابن الخبيثة من أمرك أن تخبرني؟ يا غلام خذ السوط من يده وأوجع به رأسه! فما زال يضرب حتى اشتفيت!. . .
135 - الصدق أنجى
* الحافظ ابن حبان في ((روضة العقلاء)):
كان ((ربعي)) رجلا من أشجع، زعم قومه أنه لم يكذب قط، فسعى به ساع إلى الحجاج؛ فقال: ها هنا رجل من أشجع زعم قومه أنه لم يكذب قط؛ وإنه يكذب لك اليوم، فإنك ضربت على ابنيه البعث (فرض عليهما الخروج للجهاد) فعصيا وهما في البيت، وكان عقوبة الحجاج للعاصي ضرب السيف، فدعاه الحجاج، فإذا شيخ منحن؛ فقال له: أنت ربعي؟ قال: نعم؛ قال: ما فعل ابناك؟ قال: ها هما ذان في البيت! فحمله وكساه وأوصى به خيرا. .
136 - جواب امرأة جميلة تزوجت قبيحا
* الأبشيهي في ((المستطرف)):
قال الأصمعي: رأيت بدوية من أحسن الناس وجها ولها زوج قبيح؛ فقلت لها: يا هذه أترضين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: يا هذا! لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه؛ وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عذابي! أفلا أرضى بما رضي الله به؟!.
137 - من أمثلة التورية في القرآن
* السيوطي في ((الإتقان)):
ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر أن من التورية في القرآن قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) فإن (كافة) - في هذه الآية - بمعنى ((مانع)) أي تكفهم عن الكفر والمعصية؛ والهاء للمبالغة؛ وهذا معنى بعيد؛ والمعنى القريب المتبادر أن المراد ((جامعة)) بمعنى جميعا؛ لكن منع من حمله على ذلك أن التأكيد يتراخى عن المؤكد، فكما لا تقول: رأيت جميعا الناس، لا تقول: رأيت كافة الناس.
138 - تضيء للناس وهي تحترق
* ابن بشكوال في ((الصلة)) في ترجمة ((أبي عمر أحمد بن سعيد الهمداني)):
زكان وسيما حسن الخلق والخلق، وكان إذا حدث بين، وأصاب القول فيه وشرحه بأدب صحيح، ولسان فصيح، وخاصم يوما عند صاحب الشرطة والصلاة إبراهيم بن محمد الشرفي، فنكل وعجز عن حجته، فقال له الشرفي: ما أعجب أمرك يا أبا عمر؟! أنت زكي لغيرك، بكيي (عيي) في أمرك. فقال: كذلك يبين الله آياته للناس، وأنشد متمثلا:
صرت كأني ذبالة نضبت تضيء للناس وهي تحترق
139 - الظلم ثلاث دواوين
* ابن القيم في ((مدارج السالكين)):
في الحديث الذي روي مرفوعا وموقوفا: ((الظلم ثلاث دواوين: ديوان لا يغفر الله منه شيئا وهو الشرك، وديوان لا يترك الله منه شيئا (أي يحاسب عليه كله) وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه)).
140 - فتوى في مصلحة الشعب
* البيهقي في ((المحاسن والمساوئ)):
دخل أحمد بن أبي داوود على الخليفة الواثق، فقال له الواثق: بالله يا أبا عبدالله إني حنثت في يمين فما كفارتها؟ فقال: مائة ألف دينار! فقال ابن الزيات: والله ما سمعنا بهذا في الكفارات، إنما قال الله عز وجل: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) فقال ابن أبي داوود: تلك كفارة مثله (مثل الواثق) في بعد همته وجلالة قدره، أو مثل آبائه، إنما تكون كفارة اليمين على قدر جلال الله من قلب الحالف بها، ولا نعلم أحدا الله جل وعز في قلبه أجل من أمير المؤمنين، فقال الواثق: تحمل إلى أبي عبدالله يتصدق بها.
141 - الخليفة المثمن
* الذهبي في ((العبر)) في حوادث سنة 226 ه:
وفيها توفي الخليفة ((المعتصم)). . وكان يقال له ((المثمن)) لأنه:
ولد سنة ثمانين ومائة في ثامن شهر فيها.
وهو ثامن الخلفاء من بني العباس.
وفتح ثمان فتوح: عمورية؛ ومدينة بابك، ومدينة الزط، وقلعة الأحزان، ومصر، وأذربيجان، وديار ربعية، وأرمينية.
ووقف في خدمته ثمان ملوك: الأفشين، والمازيار، وبابك، وباطس ملك عمورية، وعجيف ملك أسباخنج، وصول صاحب أسبيجاب، وهاشم ناحور ملك طخارستان، وكناسة ملك السند، فقتل هؤلاء سوى صول، وهاشم.
واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام.
وخلف ثمانية بنين وثماني بنات.
وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار (8 ملايين).
ومن الفضة ثمانية عشر ألف درهم (كذا، ولعلها ثمانية عشر ألف ألف درهم).
ومن الخيول ثمانين ألف فرس.
ومن الجمال والبغال مثل ذلك.
ومن المماليك ثمانية آلاف مملوك، وثمانية آلاف جارية.
وبنى ثمانية قصور. .
142 - توبة أمير
* الذهبي في ((العبر)) أيضا في حوادث سنة 320 ه:
وفيها توفي أمير المشرق أبو العباس عبدالله بن طاهر بن الحسين الخزاعي؛ وله ثمان وأربعون سنة، وكان شجاعا مهيبا عاقلا جوادا كريما، يقال إنه وقع مرة على قصص بصلات بلغت أربعة آلاف ألف درهم (4 ملايين) وقد خلف من الدراهم خاصة أربعين ألف ألف درهم، وقد تاب قبل موته، وكسر آلات الملاهي، واستفك أسرى بألفي ألف، وتصدق بأموال.
143 - بين نحوي وطبيب
* ابن عبد ربه في ((العقد الفريد)):
حصلت لأبي علقمة النحوي علة فدخل عليه ((أعين)) الطبيب يعوده، فقال: ما تجد؟ قال: أكلت من لحوم هذه الجوازل (أفراخ الحمام) فطسئت طسأة (أتخم من الطعام) فأصابني وجع ما بين الوابلة (بطرف الكتف) إلى دأية العنق (فقار العنق) فما زال يزيد وينمى حتى خالط الخلب (الظفر) والشراسيف (الغضاريف المعلقة بكل ضلع) فماذا ترى؟
فقال له الطبيب: خذ خربقا، وسلفقا، وشبرقا، فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه!
فقال له أبو علقمة: ماذا تقول؟ فأجابه: وصفت لي من الداء ما لا أعرف، فوصفت لك من الدواء ما لا تعرف. قال: ويحك فما أفهمتني، قال: لعن الله أقلنا إفهاما لصاحبه. . .
144 - مصر وأهلها
* ابن بطوطة في ((رحلته)) يصف مصر وأهلها:
هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شابها يجد على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منازل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل الذي أجل خطرها، وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة.
ويقال: إن بمصر (أي القاهرة) من السقائين على الجمال اثني عشر ألف سقاء، وإن بها ثلاثين ألف مكار، وإن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية، تمر صاعدة إلى الصعيد، ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق.
وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو، وشاهدت بها مرة فرحة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده، فزين أهل كل سوق سوقهم، وعلقوا بحوانيتهم الحلل وثياب الحرير، وبقوا على ذلك أياما.
145 - الإمامة لا تورث
* أبو بكر الجصاص ((في أحكام القرآن)):
قوله تعالى: (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا) (البقرة:247)، يدل على أن الإمامة ليست وراثة؛ لإنكار الله تعالى عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم من ليس من أهل النبوة ولا الملك، وبين أن ذلك مستحق بالعلم والقوة، لا بالنسب، ودل ذلك أيضا على أنه لا حظ للنسب مع العلم وفضائل النفس، وأنها مقدمة عليه، لأن الله أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته وإن كانوا أشرف منه نسبا، وذكره للجسم ها هنا عبارة عن فضل قوته، لأن في العادة من كان أعظم جسما فهو أكثر قوة، ولا يرد بذلك عظم الجسم بلا قوة، لأن ذلك لا حظ له في القتال، بل هو وبال على صاحبه إذا لم يكن ذا قوة فاضلة.
146 - لم سميت المولودة بالقابلة؟
* ابن خلدون في ((مقدمته)):
صناعة ((التوليد)) يعرف بها العمل في استخراج المولود الآدمي من بطن أمه من الرفق في إخراجه من رحمها وتهيئة أسباب ذلك، ثم ما يصلحه بعد الخروج، وهي مختصة بالنساء في غالب الأمر، لما أنهن الظاهرات بعضهن على بعض، وتسمى القائمة على ذلك منهن ((لقابلة)) واستعير فيها معنى الإعطاء والقبول، كأن النفسا تعطيها الجنين وكأنها تقبله.
أقول: وحيث أصبح الرجال في عصرنا يقومون بصناعة التوليد كالنساء، فهل لنا أن نسمي الطبيب المولد ((القابل)) قياسا على ((القابلة))!
147 - من علامات الحمق
* الحافظ ابن حبان في ((روضة العقلاء)):
من علامات الحمق التي يجب للعاقل تفقدها ممن خفي عليه أمره: سرعة الجواب، وترك التثبت، والإفراط في الضحك، وكثرة الالتفات، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار.
والأحمق إذا أعرضت عنه اغتم، وإن أقبلت عليه اغتر، وإن أسأت إليه أحسن إليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، وإذا ظلمته انتصفت منه، ويظلمك إذا انصفته.
وما أشبه عشرة الحمقى إلا بما أنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
Sayfa 42