القلائد من فرائد الفوائد
Sayfa 1
الدكتور مصطفى السباعي ---
الموضوع ... الصفحة
---
مذاهب العلماء في التفسير 11
تقدير العلم والعلماء 11
وفاء وسخط! 11
نعمت الإمارة وبئست 12
القيام بالواجب خير من التفرغ للعبادة 12
رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم 12
جهد الشعوبية في محو العربية 12
الأمويون والعباسيون 12
بهذا تقوى الدول 12
وبهذا تنهار الدول 13
أتلحنين وأنت شريفة؟ 13
كيف لي بما سارت به الركبان 13
توبة الفرزدق من الهجاء 13
معنى ((اهدنا الصراط المستقيم)) 14
أحكام البسملة والحمدلة 14
عي المقال وعي الفعال 14
كلب الله! 15
نهر الله! 15
أخشن من مضغ الحديد! 15
صدقات في عيد الفطر 15
لغويات .. 15
من أين لهم هذا؟ 16
تركة! .. 17
يعيش مائة وثلاثين سنة 18
يعدد ذنوبه! 18
يفطر خمسمائة إنسان في كل ليلة 18
شدة في الحق .. مع شدة في الفقر 18
أنواع مرض القلوب 19
الطب الروحي 19
ظرف الأعراب من الجوع .. 19
أعرابي يدركه رمضان في المدينة 19
لماذا سمنوا؟ 20
الثريد ومرق اللحم 20
دعاء على جار بخيل! 20
تعصيه في الخير وتطيعه في الشر 20
أب يسر بوفاة ابنه 20
طول ليل الحزين 21
من أيمان العرب 21
أحق الناس 21
أمارات السلاطين لندمانهم إذا أرادوا النهوض 21
Sayfa 2
يوم الأذان! 21 عاق يحتج لعقوقه! 22
الحمدلله الذي لم يجعل ذلك على يدي 22
هكذا يكون الإيمان الصادق 22
الشعر عند أدباء الكتاب 22
غرور الكيميائيين القدامى 22
دفاع عن المأمون 22
هذا رجل جائع! 23
من حكمة العرب 23
لا يكلمه لأنه لم ير على باب عالم 23
بث الصنائع 24
لا أجر على فعل الخير 24
اجتنب ثلاثة وعليك بأربعة 24
ما تحمله الرسول صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة 24
معنى الحكمة 25
حكم اجتهاده صلى الله عليه وسلم 25
ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض 25
ليس قصر الرجال بعيب 25
لا خير في الجسوم من غير عقول 26
من الورع ما يبغضه الله 26
أكرم على الله من إسحاق بن إبراهيم 26
حسن الإجابة والمحاورة 27
آلة البلاغة للخطيب والمتكلم 27
الأوائل. . . 27
. . والأواخر 27
لم يرد في فضل العقل حديث صحيح 28
درجات العقل والدهاء والجهل 28
الجواني والبراني 28
غليان القلوب 28
علامة الحمق 28
ما أحسن وقع السيوف على الأنوف 28
الحرص على العلم 29
مجالسة الصحابة والتابعين 29
اكتب واحفظ وحدث 29
استعارة الكتب 29
دقاقة الأعناق 29
لا ينفع 29
بشرط أن لا يعلم أهل الجنة 29
يتشممون الأماني 30
من بركة العلم 30
المأدبة والمأدبة 30
لماذا وضع علم النحو 30
بين أب مريض وابنه النحوي 30
جنية تتكلم الهندية 31
تعلمتم العبرية! 31
لماذا لا يشمل عدله الجميع؟ 31
Sayfa 3
أكثر الخلفاء خلافة 31 لذة الشيوخ من العلماء 31
لا تكن كصاحب السلم 31
الجمع بين الجد واللهو المباح 32
من لم يصلحه الخير أصلحه الشر 32
فوائد لغوية 32
الطواعين المشهورة في الإسلام 32
حدة العلماء وتقتيرهم 32
بين بهلول والرشيد 33
الزهد وأكل الطيبات 33
الرحلة في طلب العلم 33
الصبر على كشف حقائق العلم 33
صفة المسلم الحق 33
هواية جمع الخطوط 34
الخط ثلاثة أقسام 34
محدث يحبط مؤامرة شعوبي 34
حتى يمسخ ابن أبي ليلى حمارا! 35
جائزة ((تعب الأسنان)) 35
ولو حشي بالتقوى والمغفرة 35
ثلاثيات 35
لغويات 35
أصول التحقيق الجنائي اليوم كانت كذلك في صدر الإسلام 36
لبس البياض في الأحزان 36
طبيعتهن في كل زمان 36
أي الرأسين أثقل؟ 36
كم عدد علوم القرآن، وما هي أم هذه العلوم؟ 36
حمل البقولات والخضر مزروعة على الجمال 37
أصل كلمة ((أغا)) 37
برقية من نار 37
دين العقل والفطرة 37
الصراط المستقيم 37
ماذا تذم منه؟ 37
من مجازات القرآن 37
فضل الكتابة على الحفظ 38
تلد خمسة توائم خمس مرات 38
مدح السلطان في خطبة الجمعة 38
الصامت والناطق 38
تولية الظالمين 38
لا تفريط في النوم 38
أعمار الزوجات 39
يصاب بالماليخوليا فيقتل أصحابه ونساءه وأبناءه 39
يفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه 39
حشو اللوزينج 39
النساء ذوات اللحى والشوارب 39
كسنور عبدالله 39
معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بلغة العرب 40
Sayfa 4
منطق الأقوياء الظالمين 40 الصدق أنجى 40
جواب امرأة جميلة تزوجت قبيحا 40
من أمثلة التورية في القرآن 40
تضيء للناس وهي تحترق 41
الظلم ثلاث دواوين 41
فتوى في مصلحة الشعب 41
الخليفة المثمن 41
توبة أمير 41
بين نحوي وطبيب 42
مصر وأهلها 42
الإمامة لا تورث 42
لم سميت المولودة بالقابلة؟ 42
من علامات الحمق 43
أيهما أعلم بالنحو 43
ست هن أزواج 43
ببركة امتناعه عن القضاء 43
فقيه ينقذ زوجة الرشيد من الطلاق 43
لا تنس الكامخ 43
يعشيه ويحبسه 44
حقيقة القلب السليم 44
اشتر من باعة حيك 44
هل يستحقون هذا الإكرام 44
لغات ست وحركات ثلاث 44
فارق السن بين أب وابنه 44
على أي شيء أضع ابنتي عندك؟ 44
الصفات المؤهلة لتولي القضاء 45
الملك ثلاثة 45
ثقيل 45
قاضي يعض الخصوم 45
لغويات 45
الحجاج يصف نفسه 45
فلسفة البخل 46
الأمل حتى الأجل 46
أحد أبويه جني 46
دعني أخنقه 46
إلا من؟! 46
ينهاه الطبيب عن التدريس فيأبى 46
خصال عالم 47
السياسة الحكيمة 47
البلدة التي تحسن الإقامة فيها 47
يربح فيشتري بربحه أوقافا للمجاهدين 47
له ثلاثة كنى ويروي عن ثلاثة أجيال 47
يزوج بناتها ويبقي لها دارها 47
آفة العلم وهجنته ونكده 47
حمى الروح 48
Sayfa 5
هزل العلماء مع الجهال 48 حمار طياب 48
نجابة ابن الزبير في صغره 48
الحاكم الناجح 48
إنما الدر داخل الصدف 48
كتب العالم أولاده المخلدون 49
أصل الفاحشة من عندكم 49
الفرق بين نسائنا ونسائهم 49
إنما يثاب الإنسان على قدر عقله 49
أما تجد فيه بعيرا لنا ضل 49
آباء وأمهات لم يلدوا 49
أسقط ثلاثة أرباع الكلام 50
ذكاء وبخل 50
فائدة إسناد الحديث في عصرنا 50
ثلاثيات 50
لو أحل الله الكذب ما كذبت 51
من وصايا المعمرين 51
يدعو الله أن يكسر يدا ليجبرها 51
الزنبور والعصفور الأعمى 52
قحط البلاد وانهيارها الاقتصادي مطمعة للأعداء 52
تنزل فيه أربع آيات 52
من روائع تشبيهات ابن الرومي 52
ثراء وبله وغفلة 52
عزمات 53
إذا مات أصدقاء الرجل ذل 53
إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك 53
صنوف الإخوان 54
من أنصار عنترة 54
من أعذار المنهزمين في المعارك 54
نصرة أهل الحق بعضهم لبعض 54
تزاور أرواح المؤمنين 54
عرض أعمال الأحياء على الموتى 55
ما أضيف إلى اسم الله تعالى 55
أحمق!. . 55
قيمة المرء عمله 55
الميزان الأكبر 55
يتعلمون العمل كما يتعلمون العلم 56
الحديث كالنار 56
علي أن أقرر حقا وإن أجحف ببيت المال 56
ما قيل في الثقلاء 56
إذا كنت في قوم عور فغمض عينك الواحدة 56
معنى ((كاد)) في الإثبات والنفي 57
لطيفتان في إسناد واحد 57
فطنة من سفير 57
ذاك عرس لم أشهده 57
بسم الله الرحمن الرحيم 57
Sayfa 6
ما يريد عبدالله من زيد 57 متى تصمت ومتى تتكلم 58
فتيس خير منه!. . 58
من دهاء عمرو بن العاص 58
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم 58
كتاب الخلفاء الراشدين 58
ثلاثة لا تحتملها الملوك 58
وسواس الرجل يحدث وسواس الرجل! 59
لغويات 59
من أخلاق العلماء 59
حين يجوع الشعب! 59
عندما يثور الشعب على تسلط اليهود! 60
Sayfa 7
لا يليق بالمسلمة لبس ما يصف جسمها 60 مقدمة المؤلف
الحمدلله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الذي جاءنا بكتاب مبين، أعجز العالمين بما حواه من علوم وآداب، وبما امتاز به من روعة البيان وبلاغة التعبير حتى ذهلت له الألباب، وعنت لإعجازه عقول المفكرين، وبلغاء المتكلمين، ومتقدمو الكتاب، وعلى آله وصحبه حملة هذا التراث الإنساني الرائع، وحملة هذا الوحي الإلهي الخالد، وجمعنا بهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم في مستقر الخلد والرضوان، ورضي الله عمن تبع هذا الهدى، وحمل لواءه، وأعلى شرعته، وبدد بنوره دياجير الشك والحيرة والأوهام.
أما بعد .. فقد كان دأب طلاب العلم - ولا يزالون كذلك - أن يقيدوا ما يجدونه من فوائد متناثرة خلال مطالعاتهم؛ في أوراق خاصة يرجعون إليها عند الحاجة لها، وقد كان مما يوصي به علماؤنا طلابهم: ((قيدوا العلم بالكتاب)).
ودرجت على ذلك منذ طلبي للعلم، فتجمع لي من ذلك قدر كبير ضاع أكثره في سنوات من السفر والسجن والمرض، وقد كنت بما جمعت حفيا، وعليه حريصا.
* 1 *
ولما صدرت مجلة ((حضارة الإسلام)) في دمشق منذ سنتين، رأيت أن أجعل من أبوابها بابا لفوائد مجموعة من كتب متعددة في أبحاث متنوعة، واخترت عنوانا لها ((فرائد الفوائد)) وأخذت اتابع نشر ما أختاره بقدر ما يتسع له نطاق المجلة، وكان لهذا الاب أثره المستحب في نفوس جمهرة القراء، حيث كان أحب أبواب المجلة إليهم، وأقربه إلى نفوسهم، وكانوا أسرع إلى قراءته من كل باب آخر من أبواب المجلة.
ولعل سر إقبال القراء عليه وحفاوتهم به، أنه متنوع الفائدة، طلي المادة، مزجت فيه الحكمة بالأدب، وضمت فيه الطرائف والملح إلى عيون من مسائل التفسير والحديث والفقه وغيرها من علوم الشريعة، ولم يخل من عبرة تاريخية، أو أثر أدبي، أو بحث لغوي، مما تناثر في بطون أمهات التب وكبريات المراجع.
* 2 *
وقد استحسن كثير من قراء ((حضارة الإسلام)) أن تنتشر هذه الفوائد في كتاب مستقل، لتعم به الفائدة ويسهل الرجوع إليه، وتعده بالمطالعة فترة بعد أخرى.
ورأيت في هذه الرغبة تحقيق ما أصبو إليه وأعمل له، من نشر الثقافة الإسلامية والعربية الأصيلة، ولفت أنظار المثقفين ذوي الاجاهات الإسلامية إلى ما في تراثنا الإسلامي من غذاء روحي وفكري عظيم، وما في تاريخنا الإسلامي من مفاخر الأخلاق الكريمة، ومحاسن الآداب العالية، مما يجدر بشبابنا أن يطلعوا عليه، ويفيدوا منه في حياتهم الفكرية والأخلاقية.
وها أنذا أصدر الجزء الأول من هذه الفوائد، وهو يحتوي على ما نشر في السنتين الأولى والثانية من ((حضارة الإسلام)) مضافا إليه ما يعادل ضعفها من فوائد لم تنشر من قبل. وقد أسميته: ((القلائد من فرائد الفوائد)) راجيا من الله أن يمدني بعون من رحمته لأتمكن من الاستمرار في متابعة نشر هذه الفوائد، في أجزاء متتابعة، كلما تجمع منها قدر كاف لإصداره في كتاب في مثل حجم هذا الكتاب.
*3 *
إن هذا الكتاب ليس لي فيه إلا الاختيار مما قرأت وطالعت، فقد فيه كل ما اعتقدت أن جيلنا الإسلامي في حاجة إلى معرفته من علوم وآداب ولغة وتاريخ بأسلوب لا يملون من قراءته، حيث يتنقلون فيه من زهرة إلى زهرة، ومن روضة إلى روضة، وبقدر لا يضيف عبئا ثقيلا إلى أعباء الثقافة المتنوعة المطلوبة منهم في عصرنا الحاضر.
لقد نثرت هذه الفوائد كما اتفقت من غير ترتيب ولا جمع الشبيه إلى ما يشبه، إذ رأيت ذلك أنشط للقارئ، وابعث له على متابعة القارءة، وقديما سارت كتب الأدب -وبخاصة كتب الأمالي- على هذا النهج، وإنك لتجد من المتعة في قراءة كتاب ك ((الأمالي)) لأبي علي القالي، أو ((الكامل)) للمبرد، أو ((الحيوان)) للجاحظ، أو ((البيان والتبيين)) له، ما لا تجد من المتعة في كتاب علمي مرتب الأبحاث والمسائل.
Sayfa 8
* 4 *
ويتلخص غرضي في نشر هذه السلسلة الفكرية من الفوائد الثقافية ما يلي:
1 - تزويد الشباب المسلم بثقافة إسلامية شاملة، تجعل منه مشاركا للمختصين في الدراسات الإسلامية بالمعلومات الضرورية منها أو المسائل الطريفة فيها.
2 - إطلاع الشباب المسلم على روائع الخلق الإسلامي الأصيل، حين كان الإسلام في صفائه وقوته يوجه المسلمين في حياتهم الخاصة والعامة إلى أن يكونوا أقرب إلى الكمال الإنساني من كل الأجيال التي تربيتهم المبادئ الدينية والفلسفية والخلقية الأخرى، وفي ذلك دعوة غير مباشرة إلى العودة لأخلاق الإسلام في عصوره الذهبية، فليس أجدى في التربية من أن نجعل شبابنا يعيشون في أجواء عظمائهم، لينشؤوا عظماء في أخلاقهم وسلوكهم وأهدافهم، ولينهضوا بعبء الرسالة الفكرية والخلقية والاجتماعية نحو حياة كريمة، وعيش رغد، ومستقبل سعيد.
3 - التوجيه الروحي النبيل من معدنه الصافي، لهذا الجيل من شبابنا المسلم، وهو الذي يعيش في بيئة ابتعدت كثيرا عن النبع النمير لنهرنا المتدفق، وفي ظل حضارة مادية ونظم مختلفة لا تحفل بالقيم الروحية والإنسانية كثيرا، مما جعل شبابنا يعيشون في خلق نفسي يعرضهم لكثير من الانحرافات في سلوكهم الاجتماعي، إذا لم تلقح أرواحهم نسمات من الجنة تنعش قلوبهم، وتحيي نفوسهم، وتصعد بأرواحهم نحو آفاق السمو والنبل والكمال.
4 - تقوية الشاباب المسلم في لغته العربية مادة وأسلوبا، بحيث يستطيع فهم كتاب الله وتذوق بلاغته واحتذاء أسلوبه، عسى أن تعود للبيان العربي اليوم جزالته وسلامته وعذوبته، كما كان في الصدر الأول، وعسى أن يعود تأثير القرآن في نفس قارئه المسلم كما كان له في نفوس المسلمين الأوائل، فصنع منهم المعجزات، وأنبت بهم الجنات، وسطر بهم روائع المكرمات.
وقد تصاعدت الشكوى من جهل أبنائنا المثقفين بلغتهم جهلا معيبا، لا يستطيعون معه فهم بيت من الشعر العربي القديم، أو قطعة من الأدب ((الجاحظي)) أو ((المقفعي)) البديع، بله آية من كتاب الله، وهو كتاب العربية الأكبر، وسفر الإنسانية الخالد.
ويقيني أن تغيير النفس المشسلمة والعربية المعاصرة، وتخليصها من العيوب النفسية والخلقية والفكرية لن يتم إلا بأن تعود إلى التأثر ببلاغة القرآن الكريم وأسلوبه. فكل تقوية للغة العربية الفصحى في أساليبها البليغة، هو تمهيد لصنع المعجزة الإنسانية مرة أخرى بالقرآن ورسوله العظيم.
5 - الترويح عن النفس ببعض الملح المستظرفة، مما يشبه الهزل وليس بالهزل، فالنفس تمل من الجد في التفكير، كما يمل الجسم من الجد في العمل، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((روحوا القلوب ساعة فساعة)) (¬1). وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأجم فؤادي ببعض الباطل (أي اللهو الجائز) لأنشط للحق، وقال علي كرم الله وجهه: أجموا هذه القلوب (أريحوها) والتمسوا لها طرف الحكمة، فإنها تمل (تكل) كما تمل الأبدان، والنفس مؤثرة للهوى، آخذة بالهويني، جانحة إلى اللهو، أمارة بالسوء، مستوطنة للعجز، طالبة للراحة، نافرة عن العمل، فإن أكرهتها أنضيتها (أتعبتها وأبليتها) وإن أهملتها أرديتها.
Sayfa 9
وقال بكر بن عبد الله المزني: لا تكدوا هذه القلوب (لا تشتدوا عليها) ولا تهملوها، وخير الكلام ما كان عقيب جمام. ومن اكره بصره عشي (ضعف) وعاودوا الفكرة عند نبوت القلوب، واشحذوها بالمذاكرة، ولا تيأسوا من إصابة الحكمة إذا امتحنتم ببعض الاستغلاق، فإن من أدمن قرع الباب ولج.
وليس المزاح البريء والأحاديث المستطرفة مما يتنافى مع كمال الأدب وحسن الخلق، وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم - وهو المثل الأعلى للكمال الإنساني - يمازح أصجابه، ويداعب نساءه، وكان يمزح ولا يقول إلا حقا، وكان يبتسم لدعابات بعض صحابته معه مثل ((نعيمان))، وكان ذلك دليلا على ما يتمتع به عليه الصلاة والسلام من حلاوة النفس، ودماثة الخلق، ورقة الشمائل، ولطف المعاشرة، وكذلك درج على سيرته الصحابة والتابعون وعلماء الإسلام وأئمته المقتدون
إن التحرج من المزاح أو الدعابة المحتشمة كما يفعل بعض المتظاهرين بالوقار، مرض نفسي ينشأ من جفاف الروح وانحراف المزاج واعتلال الصحة، وأعظم الناس تزمتا في المجالس العامة لا يستغني عن المرح والدعابة ورواية الملح والطرائف والحكايات المضحكة في مجالسه الخاصة، وإني لأكره هؤلاء الذين يرون في التزمت وعبوس الوجه دليل الجد وعنوان الوقار والكرامة، ولو كان هذا صحيحا لكان أجدر الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أني لا أحب الذين يفرطون في طلب النوادر المضحكة وحكايتها وقتل أوقاتهم في المزاح والدعابة، والخير وسط بين الأمرين. وقد قال مطرف بن عبدالله لولده: يا بني إن الحسنة بين السيئتين - يريد بين المجاوزة والتقصير - وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة (شدة السير).
وقد اقتصرت فيما اخترته من الفوائد، على تراثنا العربي دون الغربي، لا لشيء من كره التراث الأجنبي أو عدم الاعتداد به، بل لأن الأدب الغربي قد كثر مترجموه وناقلوه وناشروه والمقتبسون منه في أوساطنا الثقافية، حتى اعتبر عند كثير من الناس هو الأدب الإنساني وحده دون أدبنا العربي. ولست هنا في سبيل مناقشة هذا الرأي، ولكني أحببت أن أعرض صفحة من تراثنا العربي، منوعة المادة، غزيرة الفائدة، ليتعلم الذين يجهلون هذا الثرات من مصادره الأولى أية خسارة فكرة ونفسية تلحق بهم من جهلهم به وإعراضهم عنه، ونحن نخوض اليوم معارك عديدة في سبيل الاحتفاظ بسيادتنا وشخصيتنا ومقومات حياتنا، والمعركة الثقافية أشد هذه المعارك خطورة وأبعدها آثارا، وإذا كانت الأمم الحية لا تعيش في بيت مقفل يسد عليها منافذ الهواء والنور، بل تأخذ من كل الثقافات، وتطلع على نتائج العقل الإنساني أنى كان وكيفما كان، فإنها أشد حرصا على معرفة تراثها الإنساني والتزود منه، وبخاصة إذا كان هذا التراث عنوانا لحضارة إنسانية من أسمى الحضارات الإنسانية في التاريخ، فإذا رأيت أمة تريد الحياة والبقاء والإسهام في ركب الإنسانية السائر، ثم هي تزدري أدبها الرائع، وتحتقر تراثها الفني، وتهمل نتاجها الفكري الخصيب، فاعلم أنها أمة هازلة جاهلة بأقوى عوامل بقائها ومقومات وجودها، وهي كالتاجر الذي يريد أن يزاحم كبار التجار وليس له مال يتجر به.
وقد كنت أود أن أذكر تراجم موجزة للأعلام الذين تضمنهم هذا الكتاب، ولكني وجدت ذلك يكلفني أمرا عسيرا لا تتحمله حالتي الصحية، ولعلي أفعل ذلك في الأجزاء التالية إن شاء الله.
وأخيرا فإني حرصت على طبع الكتاب بحجم يسهل معه حمله في جيب القارئ أو حقيبة كتبه، ليكون سميره في الأسفار والمتنزهات ومجالس السمر، فيجمع بين متعة الجسم ومتعة الفكر.
وإنس لأسأل الله أن يؤدي هذا الكتاب أغراضه ويتقبله لوجهه الكريم.
دمشق: 1 ربيع الأول/1382 = 1 آب/1962.
Sayfa 10
الدكتور مصطفى السباعي 1 - مذاهب العلماء في التفسير
* الشوكاني في تفسيره ((فتح القدير)):
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين، وسلكوا طريقين: فالفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية، وقنعوا برفع هذه الراية.
والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية، وما تفيده العلوم الآلية، ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا، ولم يصححوا لها اساسا، وكلا الفريقين قد أصاب، وأطال وأطاب، وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب، وترك منها ما لم يتم بدونه كمال الانتصاب؛ فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المصير إليه متعينا، وتقديمه متحتما، غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن، ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا لشأن اثنان.
وأما ما كان منهما ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم، فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره، وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع، فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم، فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب، فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة.
وأيضا، كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه العلم القرآني باعتبار المعنى اللغوي، ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها، كعلم المعاني والبيان، فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا بمحض الرأي المنهي عنه. وقد أخرج سعيد بن منصور في ((سننه)) وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال: ليس في تفسير القرآن اختلاف، إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا. وأخرج ابن سعد في ((الطبقات)) وأبو نعيم في ((الحلية)) عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآ، وجوها. وأيضا لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف، بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن، ولا اعتبارا بما لم يصح كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه.
وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين؛ وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين.
2 - تقدير العلم والعلماء
* الخطيب البغدادي في ((تاريخه)):
كان طاهر بن الحسين حين مضى إلى خراسان نزل ب ((مرو)) يطلب رجلا ليحدثه ليله، فقيل له: ما هنا إلا رجل مؤدب فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام، صاحب كتاب ((الأموال)) فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه، فقال له: من المظالم تركك بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار وقال له: أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب، وليس أحب استصحابك شفقا عليك، فأنفق هذا إلى أن أعود إليك. فألف أبو عبيد غريب المصنف إلى أن عاد طاهر بن الحسين من خراسان فحمله معه إلى ((سر من رأى)). وكان أبو عبيد دينا ورعا جوادا.
3 - وفاء وسخط!
* الحافظ الذهبي في ((تاريخ دول الإسلام)) كما جاء في التقديم لكتاب ((الأموال)):
كان أبو عبيد القاسم بن سلام مع عبدالله بن طاهر، فبعث إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد شهرين، فأنفذه إليه فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال: أنا في جنبة رجل لم يحوجني إلى صلة غيره، فلما عاد ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار فقال: أيها الأمير قد قبلتها ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا وأوجه بها إلى الثغر ليكون الثواب متوفرا على الأمير، ففعل.
Sayfa 11
4 - فساد الشعب بالتجسس عليه
* أخرج الإمام الطحاوي في ((مشكل الآثار)):
بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)) ثم قال الطحاوي رحمه الله: معنى ذلك عندنا أن الله تعالى قد أمر عباده بالستر وأن لا يكشفوا عنهم ستره الذي سترهم به فيما يصيبونه مما قد نهاهم عنه لمن سواهم من الناس، فكان الأمير إذا تتبع ما أمر الله بترك تتبعه امتثل الناس لذلك منه وكان في ذلك إفسادهم.
5 - نعمت الإمارة وبئست
* أبو عبيد في ((الأموال)):
عن عطاء بن يسار قال: قال رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الشيء الإمارة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحلها وحقها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها وحلها، تكون عليه يوم القيامة حسرة وندامة)).
6 - القيام بالواجب خير من التفرغ للعبادة
* وفيه أيضا:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعمل الإمام العادل في رعيته يوما واحدا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة عام - أو خمسين عاما)) الشك من هشيم أحد الرواة.
7 - رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم
* وفيه أيضا:
عن أبي البختري قال: حاصر سلمان رضي الله عنه حصنا من حصون فارس؛ فقال: حتى أفعل بهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فأتاهم فقال: إني رجل منكم أسلمت فقد ترون إكرام العرب إياي، وإنكم إن أسلمتم كان لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، وإن أبيتم فعليكم الجزية، فإ، أبيتم قاتلناكم.
8 - جهد الشعوبية في محو العربية
* ابن أبي الحديد في شرح ((نهج البلاغة)):
كتب إبراهيم الإمام إلى أبي مسلم الخراساني: ((إن استطعت أن لا تدع بخراسان أحدا يتكلم بالعربية إلا قتلته فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، وعليك بمضر فإنهم العدو القريب الدار، فإبد خضرائهم ولا تدع على الأرض منهم ديارا)).
9 - الأمويون والعباسيون
* الجاحظ في ((البيان والتبيين)):
دولة بني العباس أعجمية خراسانية، ودولة بني مروان عربية أعرابية.
10 - بهذا تقوى الدول
* الطبري في ((تاريخه)) عن يحيى بن سليم قال:
لم ير في دار المنصور لهو قط، ولا شيء يشبه اللهو والعبث واللعب إلا يوما واحدا، فإنا رأينا ابنا له يقال له: عبدالعزيز (توفي وهو حدث) قد خرج على الناس متنكبا قوسا، متعمما بعمامة مترديا برداء، في هيئة غلام أعرابي راكبا على قعود بين جوالقين فيهما مقل ونعال ومساويك وما يهديه الأعراب، فعجب الناس من ذلك وأنكروه، فعبر الغلام الجسر وأتى المهدي بالرصافة فأهدى إليه ذلك ، فقبل المهدي ما في الجوالقين وملأهما دراهم، وانصرف الغلام، فعلم أنه ضرب من عبث الملوك.
Sayfa 12
11 - وبهذا تنهار الدول
* أبو الفرج الأصبهاني في ((الأغاني)):
بلغ مجموع ماأخذه إبراهيم الموصلي من الرشيد أكثر من مائتي ألف دينار! ..
12 - أتلحنين وأنت شريفة؟
* الشريف المرتضى في ((أماليه)):
تكلمت هند بنت أسماء بن خارجة فلحنت وهي عند الحجاج فقال لها: أتلحنين وأنت شريفة وفي بيت قيس؟ قال: أما سمعت قول أخي ((مالك)) لامرأته الأنصارية:
منطلق صائب وتحلن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
فقال لها الحجاج: إنما عنى أخوك اللحن في القول إذا كنى المحدث عما يريد، ولم يعن اللحن في العربية، فأصلحي لسانك.
13 - كيف لي بما سارت به الركبان
* وفيه أيضا:
قيل للجاحظ: مثلك في عقلك وعلمك وأدبك ينشد قول مالك بن أسماء الفزاري - البيت السابق - ويفسره على أنه أراد اللحن في الإعراب، وإنما أراد وصفها بالظرف والفطنة؛ وأنها توري عما قصدت له وتتنكب التصريح؟ فقال الجاحظ: قد فطنت لذلك بعد، قيل: فغيره من كتابك! فقال: كيف لي بما سارت به الركبان! قال الصولي: فهو في كتابه على خطئه ..
14 - توبة الفرزدق من الهجاء
* وفيه أيضا:
عن معاوة بن عبدالكريم عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق فجعلت أحادثه فسمعت صوت حديد يتقعقع، فتأملت الأمر فإذا هو مقيد الرجلين، فسألت عن السبب في ذلك. فقال إني آليت على نفسي ألا أنزع القيد من رجلي حتى أحفظ القرآن.
وعن سلام بن مسكين قال: قيل للفرزدق: علام تقذف المحصنات؟ فقال: والله لله أحب إلي من عيني هاتين، أفتراه يعذبني بعدها؟
وروي أنه تعلق بأستار الكعبة، فعاهد الله على ترك الهجاء والقذف وقال:
ألم ترني عاهدت ربي وإنني ... لبين رتاج قائم ومقام (¬1)
على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجا من في زور كلام
أطلعتك يا إبليس تسعين حجة ... فلما قضى عمري وتم تمامي
فزعت إلى ربي وأيقنت أنني ... ملاق لأيام الحتوف حمامي
وعن إدريس بن عمران قال: جاءني الفرزدق فتذاكرنا رحمة الله، فكان أوثقنا بالله، فلما قيل له ذلك مع قذفه وهجائه، قال: أترونني لو اذنبت ذنبا إلى أبوي أكانا يقذفاني في تنور وتطيب أنفسهما بذلك؟ فقلنا: لا، بل كانا يرحمانك، قال: فأنا والله برحمة ربي أوثق مني برحمتهما.
ولما توفيت زوجته النوار قال له الحسن البصري - وكان فيمن حضر جنازتها - وهو عند القبر: ما أعددت لهذا المضجع يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إلا إلا الله منذ ثمانين سنة. فقال له الحسن: هذا العمود فأين الطنب (¬2)؟ وفي رواية أنه قال له: نعم ما أعددت! ثم أنشد الفرزدق في الحال:
Sayfa 13
أخاف وراء القبر إن لم يعافني أشد من الموت التهابا وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يقاد إلى نار الجحيم مسربلا سرابيل قطران لباسا محرقا
قال: فرأيت الحسن يدخل بعضه في بعض، ثم قال: حسبك!
15 - معنى ((اهدنا الصراط المستقيم))
* الشوكاني في ((فتح القدير)) بعد أن ذكر الأقوال في ذلك إنه الإسلام، أو القرآن؛ أو النبي:
وجميع ما روي في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي عن الفضيل، وهو قوله: الصراط المستقيم: طريق الحج - يصدق بعضه على بعض، فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي فقد اتبع الحق، وقد ذكر ابن جرير نحو هذا فقال: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي معنيا به: وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وفق إليه ممن أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به، والانزجار عما زجره عنه، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم. اه.
16 - أحكام البسملة (¬1) والحمدلة (¬2)
* ابن عابدين - من فقهاء الحنفية - في حاشيته على ((الدر المختار)):
تاتي الأحكام الشرعية (أي الخمسة) في كل من البسملة والحمدلة.
أما البسملة فتجب في: ابتداء الذبح، ورمي الصيد، والإرسال إليه (أي إرسال كلب الصيد) لكن يقوم مقامها كل ذكر خالص. وفي بعض الكتب أنه لا يأتي ب (الرحمن الرحيم)، لأن الذبح ليس بملائم للرحمة؛ لكن في ((الجوهرة)) أنه لو قال: بسم الله الرحمن الرحيم، فهو حسن، وفي ابتداء الفاتحة في كل ركعة، قيل: وهو قول الاكثر، لكن الأصح أنها سنة.
وتسن في ابتداء الوضوء، والأكل، وفي ابتداء كل أمر ذي بال.
وتجوز أو تستحب فيما بين الفاتحة والسورة على الخلاف في ذلك.
وتباح في ابتداء المشي، والقيام، والقعود.
وتكره عند: كشف العورة، أو في محل النجاسات، وفي أول سورة (براءة) إذا وصل قراءتها ب (الأنفال) كما قيده بعض المشايخ. قيل: وعند شرب الدخان، أي ونحوه من كل ذي رائحة كريهة كأكل ثوم وبصل.
وتحرم عند استعمال محرم، بل في ((البزازية)) وغيرها: يكره من بسمل عند مباشرة كل حرام قطعي الحرمة، وكذا تحرم على الجنب إذا لم يقصد بها الذكر.
وأما الحمدلة فتجب في الصلاة، وتسن في الخطب، وقبل الدعاء، وبعد الأكل، وتباح بلا سبب، وتكره في الأماكن المستقذرة، وتحرم بعد أكل الحرام، بل في ((البزازية)) أنه اختلف في كفره.
17 - عي المقال وعي الفعال
* الجاحظ في ((البيان والتبيين)):
ومما ذموا به العي قوله:
Sayfa 14
وما بي من عي ولا أنطق الخنا إذا جمع الأقوام في الخطب محفل وقال الراجز وهو يمتح (¬1) بدلوه:
علقت يا حارث عند الورد (¬2) ... بجابئ (¬3) لا رفل التردي
وهذا كقول بشار الأعمى:
وعي الفعال كعي المقال وفي الصمت عي كعي الكلم
18 - كلب الله!
* أبو المنصور الثعالبي في ((ثمار القلوب)):
قال الجاحظ: يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتيبة ابن أبي لهب: ((أكلك كلب الله)) فأكله الأسد، وفي هذا الخبر فائدتان: إحداهما أنه ثبت بذلك أن الأسد كلب الله، والثانية أن الله تعالى لا يضاف إليه إلا العظيم من جميع الأشياء من الخير والشر، أما الخير فقولهم ((بيت الله)) و((زوار الله)) و((كتاب الله)) و((أرض الله)) و((خليل الله)) و((روح الله)) وأشباه ذلك. وأما الشر فكقولهم: دعه في لعنة الله تعالى وسخطه وأليم عذابه، ودعه في نار الله وسقره.
19 - نهر الله!
* وفيه أيضا:
من أمثال العامة والخاصة: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإذا جاء نهر الله بطل نهر عيسى، ونهر معقل بالبصرة، ونهر عيسى ببغداد، وعليهما أكثر الضياع الفاخرة، والبساتين النزهة ببغداد و(البصرة) وإنما يريدون: نهر الله البحر والمطر والسيل فإنها تغلب سائر المياه والأنهار وتطم عليها، ولا أعرف نهرا مخصوصا بهذه الإضافة سواهما. ومما يجري مجرى المثل المذكور قول الشاعر:
إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطل السحر والساحر
20 - أخشن من مضغ الحديد!
* الصفدي في ((الوافي بالوفيات)) في ترجمة ((محمد بن إبراهيم بن عمران القفصي المغربي)):
ذكره ابن رشيق أيضا فقال: شاعر متقدم، علامة بغريب اللغة؛ قادر على التطويل يضع القصيدة تبلغ المائة وأكثر في ليلتها ويحفظها فلا يشذ عنه منها شيء، ويسرد أكثر مسائل كتاب ((العين)) للخليل بن أحمد، أورد له قوله:
ومن غير الأيام أني شاعر أديب بسربال الخمول مسربل
أروم على إكداء حالي تجملا وأخشن من مضغ الحديد التجمل
21 - صدقات في عيد الفطر
* وفيه أيضا في ترجمة ((صدر الدين لقنائي)) (توفي سنة 672 ه):
وكان كثير الصدقة، وكانت له معصرة يرسل غلمانه يجعلون في دهليز كل بيت من الفقراء قادوس محلب وطن قصب في ليلة عيد الفطر.
22 - لغويات ..
* الأنباري في ((كتاب الأضداد)):
و((الند)) يقع على معنيين متضادين، يقال: فلان ند فلان إذا كان ضده، وفلان نده إذا كان مثله، وفسر الناس قول الله جل وعز: (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) على جهتين:
قال الكلبي: عن أبي صالح عن ابن عباس: معناه فلا تجعلوا لله أعدالا، فالأعدال جمع عدل، والعدل: الكثل.
وقال أبو العباس عن الأثرم عن أبي عبيدة: ((فلا تجعلوا لله أندادا)) أضدادا! ويقال: فلان ندي، ونديدي، ونديدتي، فالثلاث لغات بمعنى واحد.
قال حسان لأبي سفيان بن الحارث:
أتهجوه ولست له بند؟ فشركما لخيركما الفداء
وقال لبيد:
أحمد الله فلا ند له بيديه الخير ما شاء فعل
وقال الىخر:
أتيما تجعلون إلى ندا وما تيم لذي حسب نديد
وقال لبيد في إدخال الهاء:
لكي لا يكون السندري (¬4) نديدتي وأشتم أقواما عموما عماعما
العماعم: الجماعات، ويروى: ((وعما عماعما)) فالعم الرجال البالغون، ويستعمل في غير الرجال أيضا. اشترى بعض الشعراء نخلا، بعضه بالغ وبعضه غير بالغ، فعذل في ذلك فقال:
فعم لعمكم نافع وطفل لطفلكم يؤمل
أراد: فالبالغ من النخل ينفع الرجال البالغين، والذي ليس ببالغ ينفع الأطفال ويؤمل بلوغه لهم.
وإنما دخلت الهاء في ((نديدة)) للمبالغة، كما قالوا: رجل علامة ونسابة، وجاءني كريمة القوم، يراد به: البالغ في الكرم، المشبه بالداهية. ويقولون في الذم: رجل هلباجة، إذا كان أحمق فيشبهونه بالبهيمة.
ويقال في تثنية الند: ندان، وفي جمعه: أنداد، ومن العرب من لا يثنيه ولا يجمعه ولا يؤنثه، فيقول: الرجلان ندي، والرجل ندي، والمرأة ندي، والنساء ندي؛ كما قالوا: القوم مثلي، والقوم أمثالي؛ قال الله عز وجل: (ثم لا يكونوا أمثالكم) وقال تبارك وتعالى في موضع آخر: (إنكم إذا مثلهم).
ومجرى ((ند)) إذا وحد مجرى قولهم: رجل كرم، ورجال كرم، ومنزل حمد، ودار حمد، أي محمودة، ورجال شرط وقزم، إذا كانوا سقاطا لا أقدار لهم.
قال الأموي:
تمنيتم قومكم فخرا بأمكم أم لعمري حصان (¬5) برة كرم
هي التي لا يوازي فضلها أحد وبنت النبي وخير الناس قد علموا
وأنشدنا أبو العباس:
سقى الله نجدا من ربيع وصيف وماذا ترجي من سحاب سقى نجدا
بلى إنه قد كان للعيش مره وللبيض والفتيان منزلة حمدا
وقال الكميت:
وجدت الناس غير ابني نزار ولم أذممهم شرطا ودونا
السكيت:
Sayfa 15
لقد زاد الحياة إلي طيبا بناتي إنهن من الضعاف مخافة أن يذقن البؤس بعدي ويشربن رنقا (¬1) بعد صاف
وأن يعرين إن كسي الجواري فتنبو العين عن كرم عجاف
23 - من أين لهم هذا؟
* القاضي الرشيد بن الزبير في ((الذخائر والتحف)):
وكان لأحمد بن عبدالعزيز بن أبي دلف أيام ولايته الكرخ اسطبلات تشتمل على أكثر من عشرين ألف دابة. وكان ربما حمل في اليوم الواحد على أكثر من ألف فرس، وكانت له خزانة سروج فيها ستة آلاف سرج وخمسمائة سرج، سوى المخلع منها والمصاغ الذي لم يركب. وكان في بيت ماله ستة آلاف ألف (ستة ملايين) درهم، وخمسمائة ألف دينار في بعض أوقاته، سوى ما عنده من خزائن السلاح والكسوة والطيب والشراب والفرش والطرائف وغير ذلك مما لا تحد قيمته.
24 - تركة! ..
* نقل محمد كرد علي في ((الإسلام والحضارة العربية)):
أن الوزير التركي ((سنان باشا)) الذي كان واليا على الشام ومصر وفتح اليمن وتونس وتولى الصدارة (رئاسة الوزراء) غير مرة قد خلف تركة كان فيها:
- مائة وستون مصحفا مرصعا بالدر والجواهر.
- وثلاثون طستا وإبريقا من الذهب مرصعة بالدر والياقوت.
- وخمسة صناديق زبرجد عليها خمسة أقفال من الذهب مرصعات بالجوهر، وفي داخل كل صندوق منها مائتا مثقال من الإكسير، كل مثقال منها على ألف قنطار من الحديد يستحيل ذهبا خالصا.
- وشطرنج بيادقه البيض ماس، وبيادقه السود لعل (كذا).
- ومائتا مرآة مرصعة بالدر والياقوت.
- واثنان وثلاثون زوجا من الركابات ذهبا مرصعة بالدر والياقوت.
- وستون ((رختا)) من الذهب مرصعة بالجواهر.
- ومثلها سلاسل ذهبية.
- وأربعمائة ((رخت)) فضة مطلية بالذهب.
- ومائة وستون رشمة ذهب.
- وأربعمائة رشمة فضة.
- ومائة وستون سرجا مرصعة بالدر والياقوت.
- ومائة وستون عباءة مكللة باللؤلؤ الرطب.
- ومائة وستون سكينا ذهبا مرصعات بالدر والياقوت.
- وثلاثمائة وأربعون تاجا مرصعة بالجواهر.
- ومائتان وستون ((حمايليا)) مرصعة بالدر والجواهر.
- ومائة وستون خنجرا ذهبا مرصعة بالماس.
- ومائتان وثلاثون زنارا من الجوهر.
- ومائتان وستون ((بازونه)) مرصعة بالجواهر.
- وخمسة وثلاثون صندوق كتب مرصعة بالياقوت والمعدن.
- وسفرة صحون وثلاث صوان من ذهب وجميعها مرصعة.
- وعشر طاسات بأغطية وتحتها صوانيها من ذهب مرصعة بالدر والجواهر.
- وعشر مباخر وعشر قماقم ذهب مرصعة بالدر والجواهر.
- وخمسة وستون خاتما من الماس.
- ومائة وأربعة وأربعون خاتما من الياقوت الأحمر.
- ومائتا خاتم من لعل. ومثلها من الياقوت الأصفر والأزرق والزمرد الخالص.
Sayfa 17
- وسبعون وسادة كل واحدة بمائتي دينار.
- ومائتان وستون وسادة مرصعة بالجواهر.
- وستون قفلا ومفتاحا مرصعات بقطع ماس في كل قفل منها نحو ألف دينار.
- وقبضة ماس مقدار كف الإنسان لا نظير لها.
- وأربعمائة شماعدين من ذهب وتحتها سفرها مرصعة بالجواهر قوموها بمائة ألف دينار.
- ومائة وخمسون خلعة صراصر كل واحدة منها تساوي مائة دينار.
- وسبعون خلعة مرصعة بالجواهر قيمة كل واحدة ألف دينار.
- وثلاث صور عجاب قيمتها ثلاثة آلاف دينار.
- وثلاثمائة فروة سمور قيمة كل واحدة منها خمسمائة دينار.
- وأربعمائة فروة وشق قيمة كل واحدة ثلاثمائة دينار.
- وأربعمائة فروة ناقة وغيرها قومت كل واحدة بسبعين دينارا.
- وثمانية أباريق كبيرة من نحاس أصفر في جوف كل إبريق منها مائة ألف دينار.
- وستة وسبعون كيسا في كل كيس منها اثنا عشر ألف دينار.
- وثلاثمائة شمامة من العنبر.
- إلى غير ذلك من الأمتعة والعود الخالص المختوم.
- وثمانية آلاف جمل.
- وألف بغل.
- وتسعمائة فرس وحصان لركوبه خاصة بسرج حرير.
- وما عدا الصيني والنحاس والبندق المجوهر والدروع والقامات والسناجق المذهبة وعدة ((الشكار) مع طاساتها الذهب، وأشياء كثيرة لا يمكن حصرها.
قال المرحوم كرد علي عن هذه الثروة: إن أقل ما يقال فيها: إنها مجموعة ثروة قسم عظيم من الولايات العربية، إذا وجد بعضها في أحد متاحف الغرب عد غنيا بما في تركته من غرائب.
وأقول: إن هذا الوزير هو الذي بنى مسجد السنانية المعروف في دمشق. فهل بناه ليغفر الله له ما سلبه من أموال الناس؟ وهل يفعل الله ذلك؟
25 - يعيش مائة وثلاثين سنة
* الحافظ الذهبي في ((العبر)) في حوادث سنة مائة:
وفيها (توفي) أبو عثمان النهدي عبدالرحمن بن مل بالبصرة، وكان قد أسلم وأدى الزكاة إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم وحج في الجاهلية، وعاش مائة وثلاثين سنة، وصحب سلمان الفارسي اثنتي عشرة سنة.
26 - يعدد ذنوبه!
* وفيه أيضا في حوادث سنة ثلاث ومائة:
وفيها (توفي) مقرئ الكوفة يحيى بن وثاب الأسدي، مولاهم، أخذ عن ابن عباس وطائفة. وقال الأعمش: كنت إذا رأيته قد جاء قلت: هذا قد وقف للحساب. كان يعد ذنوبه رحمه الله.
27 - يفطر خمسمائة إنسان في كل ليلة
* وفيه أيضا في حوادث سنة عشرين ومائة:
وفيها (توفي) فقيه الكوفة أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان الأشقري مولاهم (شيخ الإمام أبي حنيفة) صاحب إبراهيم النخعي، روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة، وكان سريا محتشما، يفطر كل ليلة في رمضان خمسمائة إنسان. رحمه الله.
Sayfa 18
28 - شدة في الحق .. مع شدة في الفقر
* وفيه أيضا في حوادث سنة تسع وخمسين ومائة:
وفيها توفي الإمام أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب: هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه، ومولده سنة ثمانين، روى عن عكرمة ونافع وخلق.
قال أحمد بن حنبل: كان يشبه بسعيد بن المسيب، وما خلف مثله، كان أفضل من مالك، إلا أن مالكا أشد تنقية للرجال.
وقال الواقدي: كان ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، فلو قيل: إن القيامة تقوم غدا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد، وأخبرني أخوه أنه كان يصوم يوما، ويفطر يوما ثم سرده، وكان شديد الحال، يتعشى بالخبز والزيت، وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحق، وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب.
وقال أحمد: دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر - يعني المنصور - فلم يؤهله أن قال: الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر أبو جعفر (أي مشهور في شدته وبطشه).
29 - أنواع مرض القلوب
* ابن القيم في ((زاد المعاد)):
والمرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن، ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي، وكلاهما في القرآن.
قال تعالى في مرض الشبهة: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا).
وقال تعالى: (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا).
وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة فأبى وأعرض: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون (50)).
فهذا مرض الشبهات والشكوك.
وأما مرض الشهوات فقال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) فهذا مرض شهوة الزنى والله أعلم.
30 - الطب الروحي
* وفيه أيضا:
وأين يقع هذا وأمثاله (الطب المادي) من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره، فنسبة ما عندهم (الأطباء) من الطب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلة ما جاءت به الأنبياء، بل ههنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم تهتد إليها عقول أكابر الأطباء ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم: من الأدوية القلبية والروحية، وقوة القلب، واعتماده على الله، والتوكل عليه والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لم يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه.
وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة؛ ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية؛ بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة الأدوية الطرقية عند الأطباء.
وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية، ليس خارجا عنها، ولكن الأسباب متنوعة، فإن القلب متى اتصل برب العالمين وخالق الداء والدواء، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء؛ كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه، المعرض عنه.
Sayfa 19
وقد علم أن الأرواح متى قويت، وقويت النفس والطبيعة تعاونا على وضع الداء وقهره، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه؛ وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له، وتنعمها بذكره، وانصراف قواها كلها إليه، وجمعها عليه، واستعانتها به، وتوكلها عليه، أن يكون ذلك من أكبر الأدوية، وتوجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية؛ ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأعظمهم حجابا وأكثفهم نفسا، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية.
31 - ظرف الأعراب من الجوع ..
* ابن قتيبة في ((عيون الأخبار)):
قال الععيبي: قلت لرجل من أهل البادية: يا أخي! إني لأعجب من أن فقهائكم أظرف من فقهائنا؛ وعوامكم أظرف من عوامنا؛ ومجانينكم اظرف من مجانيننا. قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت: لا؛ قال: من الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلو جوفه! ..
32 - أعرابي يدركه رمضان في المدينة
* وفيه:
قدم اعرابي على ابن عم له بالحضر، فأدركه شهر رمضان فقيل له: أبا عمرو لقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام؛ قال: أبلليل أم بالنهار؟ قالوا: لا؛ بل بالنهار؛ قال: أفترضون بدلا من الشهر؟ قالوا: لا؛ قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس! فصام أياما، فلم يصبر فارتحل عنهم وجعل يقول:
يوقل بني عمي وقد زرت مصرهم تهيأ أبا عمرو لشهر صيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي سلام عليكم فاذهبوا بسلام
فبادرت أرضا ليس فيها مسيطر علي ولا مناع أكل طعام
33 - لماذا سمنوا؟
* وفيه:
قيل لرجل رئي سمينا: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار (البارد) واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي. . .
وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: قلة الفكرة؛ وطول الدعة؛ والنوم على الكظة (¬1).
قال الحجاج للغضبان بن القبعثرى في حبسه: ما أسمنك؟ قال: القيد والدعة؛ ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن!
وقال آخر لرجل رآه سمينا: أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك!
34 - الثريد ومرق اللحم
* وفيه:
قيل لأعرابي: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد؟ فقال: لأن اللحم ظاعن، والثريد باق!
وقيل لآخر: ما تسمون المرق؟ قال: السخين، قال: فإذا برد؟ قال: لا ندعه يبرد!.
Sayfa 20
35 - دعاء على جار بخيل!
* ابن عبد ربه في ((العقد الفريد)):
كتب أبو الأسود الدؤلي إلى رجل يستسلفه، فكتب إليه: المؤونة كثيرة، والفائدة قليلة، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه ابو الأسود: إذا كنت كاذبا فجعلك الله صادقا، وإن كنت صادقا فجعلك الله كاذبا.
36 - تعصيه في الخير وتطيعه في الشر
* وفيه أيضا:
سأل عبد الرحمن بن حسان بن ثابت من بعض الولاة حاجة، فلم يقضها، فتشفع إليه برجل فقضاها، فقال:
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي تولى سواكم أجرها واصطناعها
أبي لك كسب المجد رأي مقصر ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثته على الخير مرة عصاها وإن همت بشر أطاعها
37 - أب يسر بوفاة ابنه
* أبو عمر بن قدامة المقدسي في ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن القيم:
لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دفنه عمر وسوى عليه (التراب) ثم استوى قائما، فأحاط به الناس، فقال: رحمك الله يا بني! قد كنت برا بأبيك، والله ما زلت مذ وهبك الله لي مسرورا بك، ولا والله ما كنت قط أشد منك سرورا، ولا أرجي بحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيرك الله إليه.
38 - طول ليل الحزين
* أبو علي القالي في ((أماليه)):
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم - ولم يسم قائله - في طول الليل:
ألا هل على الليل الطويل معين إذا نزحت دار وحن حزين؟
أكابد هذا الليل حتى كأنما على نجمه - ألا يغور - يمين
فوالله ما فارفتكم قاليا لكم ولكن ما يقضى فسوف يكون
وقد ذكر الفرزدق العلة في طول الليل فقال:
يقولون طال الليل والليل لم يطل ولكن من يبكي من الشوق يسهر
39 - من أيمان العرب
* وفيه أيضا:
من أيمان العرب: لا والذي أخرج العذق من الجريمة (أي النخلة من النواة) والنار من الوثيمة (أي قدح حوافر الخيل النار من الحجارة).
ويقولون: لا والذي شق خمسا من واحدة، يعنون: الأصابع.
ويقولون: لا والذي أخرج قائبة من قوب، يعنون: فرخا من بيضة.
ويقولون: لا والذي وجهي زمم بيته، أي قصده وحذاءه.
40 - أحق الناس
* قال ابن المقفع في ((الأدب الصغير)):
أحق الناس بالسلطان أهل المعرفة (أي أحقهم بالملك والحكم أهل المعرفة بسياسة الملك) وأحقهم بالتدبير العلماء، واحقهم بالفضل أعودهم على الناس بفضله، وأحقهم بالعلم أحسنهم تأديبا، وأحقهم بالغنى أهل الجود، واقربهم إلى الله أنفذهم في الحق علما وأكملهم به عملا، وأحكمهم أبعدهم من الشك في الله، وأصوبهم رجاء أوثقهم بالله، وأشدهم انتفاعا بعلمه أبعدهم عن الأذى، وأرضاهم في الناس أفشاهم معروفا؛ وأقواهم أحسنهم معونة ، وأشجعهم أشدهم على الشيطان، وأفلحهم بحجة أغلبهم للشهوة والحرص؛ وآخذهم بالرأي أتركهم للهوى، وأحقهم بالمودة أشدهم لنفسه حبا، وأجودهم أصوبهم بالعطية موضعا، وأطولهم راحة أحسنهم للأمور احتمالا، وأقلهم دهشا أرحبهم ذراعا، وأوسعهم غنى أقنعهم بما أوتي، وأخفضهم عيشا أبعدهم من الإفراط، وأظهرهم جمالا أظهرهم حصافة، وآمنهم في الناس أكلهم نابا ومخلبا، وأثبتهم شهادة عليهم أنطقهم عنهم؛ وأعدلهم فيهم أدومهم مسالمة لهم، وأحقهم بالنعم أشكرهم لما أوتي منها.
41 - أمارات السلاطين لندمانهم إذا أرادوا النهوض
* الراغب الأصبهاني في ((محاضراته)):
كان لكل ملك أمارة يستدل بها أصحابه إذا أراد أن يقوموا عنه، فكان أزدشير إذا تمطى قام سماره، وكان ((كيشاسف)) يدلك عينيه، و((يزدجرد)) يقول: شب بشد (مضى الليل) و((بهرام)) يقول: خرم (المسرور، ومستريح الحال) و((سابور)) يقول: حسبك يا إنسان، و((أبرويز)) يمد رجليه، و((قباذ)) يرفع رأسه إلى السماء، و((أنو شروان)) يقول: قرت أعينكم، وكان عمر يقول: قامت الصلاة، وعثمان يقول: العزة لله، ومعاوية يقول: ذهب الليل، وعبد الملك يقول: إذا شئتم، والوليد يلقي المخصرة، والرشيد يقول: سبحان الله، والواثق يمس عارضيه. وحكي عن بعض البخلاء أنه سئل: ما أمارتك لقيامنا؟ قال: قولي: يا غلام هات الطعام!
42 - يوم الأذان!
* وفيه أيضا:
دخل رجل على سليمان بن عبد الملك فقال له: اذكر يا أمير المؤمنين ويم الأذان! قال: وما يوم الأذان؟ قال: اليوم الذي قال الله تعالى فيه: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) فبكى سليمان وأزال ظلامته.
43 - عاق يحتج لعقوقه!
* وفيه أيضا:
ضرب رجل أباه فقيل له: أما عرفت حقه؟ قال: لا، للأنه لم يعرف حقي. قيل: فما حق الولد على الوالد؟ قال: أن يتخير أمه، ويحسن اسمه، ويختنه، ويعلمه القرآن، ثم كشف عن عورته فإذا هو أقلف، وقال: اسمي ((برغوث)) ولا أعلم حرفا من القرآن، وقد استولدني من زنجية، فقيل للوالد: احتمله فإنك تستاهل. .
44 - الحمدلله الذي لم يجعل ذلك على يدي
* أبو عبيد في ((الأموال)):
أتي عمر بن الخطاب بمال كثير - قال أبو عبيد: أحسبه قال : من الجزية - فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس! قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا، قال: بلا سوط ولا نوط (¬1)؟ قالوا: نعم! قال: الحمدلله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني.
45 - هكذا يكون الإيمان الصادق
* وروى أبو عبيد في ((الأموال)) بسنده إلى الليث بن سعد عن محمد بن عجلان أن عمر رضي الله عنه فضل أسامة بن زيد في فرض العطاء على ولده عبدالله بن عمر، قال:
فلم يزل الناس بعبدالله بن عمر حتى كلم عمر فقال: أتفضل علي من ليس بأفضل مني؟ فرضت له في ألفين، وفرضت لي في ألف وخمسمائة، ولم يسبقني إلى شيء؟ فقال عمر: فعلت ذلك لأن زيد بن حارثة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر، وأن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبدالله بن عمر!. . وفي رواية أخرى: أن زيدا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإن أسامة كان أحب إليه منك!. .
46 - الشعر عند أدباء الكتاب
* الصفدي في ((شرح لامية العجم)):
قال الجاحظ: طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يعرف إلا غريبه، فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة فرأيته لا ينقل إلا فيما اتصل بالأخبار وتعلق بالأنساب والأيام، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب، كالحسن بن وهب، ومحمد بن عبدالملك.
47 - غرور الكيميائيين القدامى
* وفيه أيضا في ترجمة ((الظغرائي)) صاحب ((لامية العجم)):
وقد ألف كتبا في الكيمياء. ومن شعره قوله:
أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي منها فما أحتاج أن أتعلما
وعرفت أسرار الخليقة كلها علما أنار لي البهيم المظلما
وورثت هرمس سر حكمته الذي ما زال ظنا في الغيوب مترجما
وملكت مفتاح الكنوز بفطنة كشفت لي السر الخفي المبهما
لولا التقية كنت أظهر معجزا من حكمتي يشفي القلوب من العمى
أهوى التكرم والتظاهر بالذي علمته والعقل ينهى عنهما
وأريد لا ألقى غبيا موسرا في العالمين ولا لبيبا معدما
والناس إما ظالم أو جاهل فمتى أطيق تكرما وتكلما؟
48 - دفاع عن المأمون
* وفيه أيضا:
حدثني من أثق به أن الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله كان يقول: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون، ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية بين أهلها.
(قلت) إن المأمون لم يبتكر النقل والتعريب، بل نقله قبله كثير، فإن يحيى بن خالد البرمكي عرب من كتب الفرس كثيرا مثل ((كليلة ودمنة)) وعرب لأجله كتاب ((المجسطي)) من كتب اليونان، والمشهور أن أول من عرب كتب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية، كما أولع بكتب الكيمياء.
ثم قا لالصفدي: والخلاف ما زال في هذه الأمة منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: في موته ودفنه، وأمر الخلافة بعده، وأمر ميراثه، وأمر قتال مانعي الزكاة، إلى غير ذلك، بل في نفس مرضه صلى الله عليه وسلم لما قال: (ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي)) على ما هو مذكور في مواطنه. وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال: ((إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة)). وهو صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، قد أخبر أن الأمة ستفترق، ومتى افترقت خالف بعضها بعضا، ومتى خالفت تمسكت بشبه وحجج، ةناظر كل فرقة من يخالفها، فانفتح باب الجدل، واحتاج كل واحد إلى ترجيح مذهبه وقوله بحجة عقلية، أو نقلية، أو مركبة منهما؛ فهذا الأمر كان غير مأمون قبل المأمون، ثم زاد الشر شرا، وقويت به حجج المعتزلة وغيرهم، وأخذ اصحاب الأهواء ومخالفو السنة مقدمات عقلية من الفلاسفة، فأدخلوها في مباحثهم، وفرجوا بها مضايق جدالهم، وبنوا عليها قواعد بدعهم، فاتسع الخرق على الراقع، على أن السنة الشريفة مرفوعة المنار، وأهل السنة فتح لهم السلف الصالح مغلق أبوابها، وذللوا بالشواهد الصادعة ما جمع من صعابها.
Sayfa 21