قال المقريزى (رحمه الله) أخبرنى الشيخ المعمر محمد بن المسعودى: أنه سار فى بلاد الصعيد [ق 42 ب] على حائط العجوز ومعه رفقه، فاقتلع أحدهم منها لبنة، فإذا هى كبيرة جدا بخلاف المعهود الآن من اللبن في المقدار، فصار القوم يتأملونها، وبينما هم في رؤيتها إذ سقطت منهم إلى الأرض فأنقلقت فخرج منها قوله في غاية الكبر الذى يتعجب منه لعدم مثله في زماننا فقشروا ما عليها فوجدوها سالمة من السوس والعيب، كأنها قريب عهد بحصادها لم يتغير فيها شيء فأكلها الجماعة قطعة قطعة وكأنها خبئت لهم من الزمن القديم والأعصر الخالية.
قال ابن عبد الحكيم: ثم أن ساحرة يقال لها تدوره (1)، وكانت السحرة تعظمها وتقدمها في علمهم وسحرهم. فبعث إليها دلوكة ابنة زبا [يقال] (2): أنا قد احتجنا إلى سحرك، ولا نأمن أن نطمع فينا الملوك، فأعمل لنا شيئا يغلب به من حولنا، فقد كان فرعون يحتاج إليك، فكيف وقد ذهب أكابرنا في الغرق مع فرعون موسي فعملت بربا من حجارة في وسط مدينة منف، وجعلت له أربعة أبواب، كل باب منها إلى جهة وصورت فيها صور الخيل والبغال والحمير والإبل والسفن والرجال. وقالت لهم: قد عملت [ق 43 أ] لكم عملا يهلك به كل من أتاكم من كل جهة فأنهم إن كانوا فى البر على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجاله تحركت هذه الصور من جهتهم التى يأتون منها فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم مثل ذلك في أنفسهم علي ما تفعلون بهم.
فلما بلغ من حولهم من الملوك ذلك وأن ولاة مصر قد صارت مع النساء طعموا فيها وتوجهوا إليهم، فلما دنوا من عمل مصر دخلوا إلى تلك الصور الذى البريا وقطعوا رءوسها وفققوا أعينها ونقروا بطونها فأثر مثل ذلك بالخيل التي أرادتهم فتبادرهم الناس.
وكان نساء أهل مصر حين غرق فرعون وقومه، ولم يبق إلا العبيد والإجراء، لم يصبرن عن الرجال فبادرت المرأة بعتق عبدها وتتزوجه، ونتزوج الأخرى أجبرها وشرطن على الرجال أن لا يفعلوا شيئا إلا باذنهن فأجابوا هن إلى ذلك، فكان أمر النساء علي الرجال من ذلك الوقت.
Sayfa 57