279

Nil: Bir Nehrin Hayatı

النيل: حياة نهر

Türler

وما يحمله النيل الأبيض والسوباط من المواد الصلبة فيرسب في مجاريهما ومناقعهما، ويأتي النيل الأزرق ب 86 في المائة من مجموع تلك المواد في شهري فيضانه؛ أي في أغسطس وسبتمبر، وفي الشلالات أيضا يجر النهر ما يقرضه من البزلت والغرانيت والجير، وإلى الغرين يضاف رمل النهر، وما في النهر من مواد عفنة، و9 في المائة مما يحمل هو من المواد العضوية، فيتلف في أثناء مروره من الصحراء وبفعل الجفاف والهواء، وهكذا تزيد الصحراء عدوها الماء قوة. وإذا ما انتهى الفيضان وسكن أخذت الطيور - من فورها - تفترس السمك الميت وأنواع الجيف المنتثرة على الضفاف.

ويجر النيل الأزرق - في أثناء جريانه الهائج - كل شيء في طريقه كرسل من بلاده، ويعد من عمله في أميال كثير من القنوات والمضايق والمزالق، ويقطر

1

الغرين من الحواجز. وإذا ما تحول النهر إلى سيل جرف شفيره المتفتت، ويتصبب نثار براكين الحبشة وتراب منحدرات الأودية المتساقط ورمال الصحراء التي تأتي بها الريح ورماد حرائق السهب التي يوقدها همج إثيوبية تجديدا لمراعيهم أو قريبا من وادي الأباي الجنوبي للدفاع ضد جماعات الفيول؛ أي يتصبب جميع هذه المواد السود والسمر - في أشهر - ومن خلال سهب بلاد النوبة وصحرائها، لتخرج من أرض مصر - التي لا ينزل إليها مطر - أسرع وأبرك ما في الدنيا من غلات في الغالب. وهكذا تناط حسابات الرجال الذين يضاربون على القطن في منشستر بأهواء نهر نفور لم يتم أحد استغلاله من منبعه إلى مصبه.

ويشتمل الغرين؛ أي مصدر الغنى، على ذهب يعد رمزا لقيمته، حتى إنه يصفى على حدود السودان في الحين بعد الحين، ولكن بمقدار قليل لما يتطلبه استغلاله المنتظم من نفقات كثيرة. وقد حسب أناس من ذوي الاختصاص ما في الغرين من سماد فوجدوا أن كل فدان في مصر يحتوي منه ما قيمته جنيه ونصف جنيه، ويزيد خصبه بالحرارة، وما فيه من أكسيد الحديد فيزيد قوة امتصاصه .

تلك هي طبيعة الهبة الكبرى التي تمن بها أمطار الحبشة على مصر فتجعل منها بحرا محيطا. وإذا كان غرين النيل عنصر التذكير المولد فإن الأرض التي يغشاها مستعدة لتهب الحياة، وما يكون من جفاف بعد الفضيان فيوجب تصدع أرض مصر، ويتخلل الهواء في الفطور

2

التي تشابه ما تشقها حديدة المحراث في أماكن أخرى، وغير قليل مقدار المواد الملقحة التي ترسب بين الحصادين، وينفذ الفيضان الآتي نفوذا عميقا ويحل المواد الضرورية لنمو النبات، ويودع الغرين ويقلل فعل ملح الطبقات الدنيا من التراب.

والنيل قد أوجد الدلتا قبل أن يحول الإنسان الغرين إلى غلال بألوف السنين. والنيل قد شق طريقه في الصحراء قبل ذلك بألوف السنين، وترجع أولى العلائم والأرقام الخاصة بالفيضان إلى ما هو أقدم من جميع وثائق الغرب التاريخية، وهي تبلغ من القدم نحو ستة آلاف سنة، وهي تعد قريبة من الصحة في الوقت الحاضر، والثورة الكبرى التي عاناها النيل هي من عمل الإنسان، ولا تزيد في القدم على قرن.

ونعلم من التصاوير على جدران قبور الفراعنة كيف كانت الحبوب تبذر في الغرين بعد الفيضان وكيف كان يحصد بعد شهرين، وترى على تلك الجدر أسداد تحيط بحياض كما في الزمن الحاضر. ومن الكتابات ما يدلنا على أن الحكومات كانت توجه ماء الفيضان من حوض إلى آخر إيصالا للغرين المولد إلى مكان بعيد، وكان يحتفل منذ أربعين سنة مضت؛ أي قبل إنشاء خزان أسوان، باليوم الذي تغادر أمواج النيل الأزرق الأولى جبال الحبشة كما كان يحتفل قبل خمسة آلاف سنة، والأسماء هي التي اختلفت، فكان الكهان يخبرون الشعب بأن إيزيس يسكب دموعه في النيل حين يبكي أخاه أوزيرس فيرتفع النهر، واليوم يبرق مهندس الرصيرص إلى القاهرة مخبرا بوصول الفيضان. واليوم يقول النصارى والمسلمون: إن قطرة ربانية تنزل ليلة اليوم السابع عشر من شهر يونيو، ولن يستطيع عالم أن يطفئ شعلة خيال الناس الشعري.

Bilinmeyen sayfa