Nietzsche: Çok Kısa Bir Giriş
نيتشه: مقدمة قصيرة جدا
Türler
2
سننتقل الآن إلى مراجعة مختصرة لبعض مواقف نيتشه وآرائه الرئيسية، حسبما أنظر إليها، مع توجيه تركيز أكبر على الطريقة التي تعمل بها هذه المواقف والآراء على حمايته من حوادث الحياة ومفاجآتها، وهو آخر شيء كان سيرغب نيتشه في أن يكون معصوما منه. ومع هذا، يتراجع غالبا مستوى الإلغاز في أكثر آرائه إرباكا - من حيث مؤداها وسبب اعتناقه لها - لو تقبل المرء أن طموح نيتشه كان منصبا على تكوين علاقة مع العالم وتجربته معه بحيث لا يزعجه شيء أو يروعه أو يصيبه بالاشمئزاز أو يجرحه. وإنه لمن الصعب تكوين هذه العلاقة؛ لأن المرء لو استطاع ذلك لأصبح عظيما. وقد تتضح حدة الأمر أكثر بتأمل موقف نيتشه مجددا تجاه الشفقة. فالشفقة، بالنسبة إليه، كثيرا ما تكون مجرد عرض لحالة أكثر عمقا وبؤسا مما تبدو عليه؛ إذ إن المرء، أيا كان، يتأثر كثيرا بالمعاناة إلى الدرجة التي يحاول عندها تخفيف تلك المعاناة بدلا من إدراك أنها منتشرة في كل مكان حتى إن محاولة تخفيفها تعتبر ضربا من السذاجة. وعلى المرء أن يتبنى موقفا مختلفا تجاه الحياة، يجعل الشفقة أمرا تافها. لم يصرح نيتشه قط بموقفه بهذا القدر من الصراحة، ربما بسبب استيائه الشديد من دنو المعاناة لدرجة أنه يرتكب الخطيئة الكبرى بكونه مهووسا بتأمل الشفقة. ولو كان الإشفاق على الناس والتصرف وفقا لذلك هو أساسا مضيعة للوقت وللمجهود، إذن فبعد مرحلة معينة - تلك المرحلة التي يتخطاها نيتشه بلا جدال - يصبح أيضا استمرار الحديث والخوض في هذا الموضوع مضيعة للوقت وللمجهود، ولا سيما أمام جمهور عنيد. والحل عندئذ أن ينتقل المرء إلى مستوى لا تكون فيه الشفقة أحد الهموم التي يكترث لها، وأن يظهر ذلك أمام الآخرين؛ مما يجعله النموذج الذي ما كان نيتشه نفسه ليعترض عليه.
من أي منظور يمكن أن يأمل المرء عمل ذلك؟ يمكن للمرء القول بأن هذا هو هم نيتشه التام في الكتب التي ألفها في ذروة نضوجه، قبل حلول الفترة النهائية من حياته. وفي واقع الأمر يعتبر الجزء الوارد في «العلم المرح» الذي يسبق مباشرة تحليله الأكثر شهرة عن الشفقة وتأثيراتها هو الجزء الذي يوضح فيه طموحه، وإن كان يفعل ذلك بطريقة بدائية. كما يكشف، على نحو عفوي، مدى يأس المثل الذي يصفه. سوف أقتبس فقط جزءا منه؛ إذ إن الاستشهاد بمجرد مقطع لنيتشه في أكثر صوره البلاغية تألقا يمكن أن يظل له تأثير مدهش:
كل من يستطيع أن يشعر بتاريخ الإنسانية في جملته بصفته «تاريخه الخاص»، سيشعر - بنوع من التعميم الكبير - بمرارة المريض الذي يفكر في الصحة، بمرارة الشيخ الذي يفكر في أحلام الشباب، بمرارة العاشق الذي انتزعت منه معشوقته، بمرارة الشهيد وهو يرى مثله الأعلى ينهار ... لكن أن يتحمل المرء هذا الكم الهائل من المرارات من كل الأصناف، أن «يستطيع» تحملها ... أن يتحمل كل هذا في روحه، أن يتحمل ما هو قديم جدا، وما هو جديد جدا، أن يتحمل الخسائر والآمال والغزوات وانتصارات الإنسانية، أن يملك كل هذا في روح واحدة في نهاية المطاف، ويركزه في إحساس واحد، هذا بالتأكيد ما ينبغي أن يشكل سعادة لم تعرفها الإنسانية قط حتى الآن؛ سعادة إله، كلها قوة وحب، كلها دموع وضحكات، سعادة توزع باستمرار، مثل الشمس عند المساء، ثروتها لا تنضب وتفرغ منها في البحر الذي لا يشعر - مثل الشمس - أنه الأكثر ثراء إلا حين يجدف فيه أفقر صياد بمجاديف مذهبة! آنذاك سيسمى هذا الإحساس الإلهي إنسانية! «العلم المرح»، 337
يبدو إمعان النظر في التفاصيل أمرا تافها للغاية في مواجهة هذه الفصاحة المؤثرة. إنها ضربة محكمة سددها نيتشه بكتابته هذه الفقرة، التي بلا شك تقدم تفسيرا جديدا تماما لمفهوم «الإنسانية»، قبل هجومه مباشرة على التفسيرات القديمة، التي تربط هذا المصطلح باهتمام جوهري من أجل تجنب المعاناة أو تخفيفها. لو خاض المرء بالمعنى الشامل حياة بديلة لحياة الشفقة، فإن هذه «الإنسانية الجديدة» هي ما سيبلغها المرء. ومع هذا، هل يبدو منطقيا التسليم حتى باحتمالية بلوغ هذه الحالة السامية؟ يعد هذا الأمر منطقيا إلى حد ما في حال الحديث عن خوض الحياة ب «كل» تجاربها، مثلما هو الأمر على مدار الفترة التي زاول فيها نيتشه الكتابة، وإذا لم تكن هذه التجربة الشاملة أسهل فإنها بطريقة ما أكثر تحملا من خوض مجموعة مختارة من «الخسائر والآمال والغزوات وانتصارات الإنسانية». على الرغم من اشمئزاز نيتشه من «اللامشروط» وازدرائه له، فقد أدمن مصطلحا وثيق الصلة به، وهو العمومي أو الشامل. لو استطاع المرء أن يتحمل معظم الأمور، فسيعني هذا أن ثمة أمورا لم يتحملها، وهي حالة مفهومة. ولكي يكون المرء «شبيها بالإله»، أو شخصا أو فيلسوفا تراجيديا، فلا بد أن يتحمل كل شيء. وعلى الرغم من صعوبة بلورة هذه الفكرة وتوضيحها، يعتقد نيتشه أنه يعرف أنها سوف «تشكل سعادة لم تعرفها الإنسانية قط حتى الآن.» أليس من الواضح أن الإنسانية، أو حتى الإنسان الأسمى، لن يعرف هذه السعادة أو لن يستطيع معرفتها، بما أنها ليست حتى ما سماه كانط «مثلا تنظيميا»؟ إن نيتشه، بدلا من ذلك، ينتشي بقدرته الفذة على استخدام الكلمات بأقصى درجات الغنائية والعاطفة لرسم الحالات الوحيدة التي ستجعل الحياة محتملة، والتي يتضح مع ذلك أنها جميعا ثمار يحصدها الشاعر الذي يتخلى عن المتطلبات الملحة للفيلسوف.
ثمة أمر آخر في هذه الفقرة يستحق الذكر على نحو صارم. من الأمور التي توضح تناقضا بين الشفقة - بوصفها اختلاطا في المشاعر ينفر منه نيتشه بشدة - وبين هذه الإنسانية الجديدة؛ أن المرء في الحالة الثانية يتبنى موقفا، دون إشارة إلى أن المرء سيفعل شيئا محددا. إذا تعاطفنا مع شخص معين مكروب، فإننا «نمارس دور القدر»، فنتجاهل «التسلسل الداخلي بأكمله والتعقيدات التي تمثل كربا بالنسبة «إلي» أو بالنسبة «إليك».» على الجانب الآخر، إذا لجأ المرء إلى تبني نطاق المشاعر الأكبر، أو بالأحرى الكوني، تجاه كل شيء، فإن هذا لا يؤدي إلى شيء من حيث الفعل. في واقع الأمر، ثمة فعل يمكن تصوره، سيتوافق مع حالة نيتشه المرغوبة. ولكن، على الرغم من كل الحيوية المذهلة التي يتسم بها نثره، فإنه يبدو لي في هذه اللحظة أن نيتشه لم يكن متحمسا تجاه فكرة الفعل، وإنما كان متحمسا تجاه فكرة الكتابة، التي هي بلا شك جزء من تفسير سبب الحيوية التي يتسم بها نثره. ومجددا، ما الذي يفترض أن يفعله بقيتنا بالطاقة والحيوية اللتين يستطيع حشدهما؟
سيكون من الممل والمحبط الخوض في النصوص الرئيسية لإقرار نيتشه وإثبات أنها تعكس درجة مماثلة من اللاخصوصية والتشوق للتعامل على نحو متزامن مع كل شيء؛ مما يعني في أية حالة أن المرء لا تكون لديه أدنى فكرة عما يجب أن يفعله «الآن»، أو السبب في وجوب أن يفعل أي شيء بخلاف أي شيء آخر . ومرة أخرى، لا يسعنا إلا أن نتفاجأ بالمفارقة في تدقيق نيتشه الشديد الذي يتوافق مع الرغبة في عدم إنكار أي شيء، لكي يكذب ادعاء زرادشت بأن «الحياة كلها جدال على الذوق والتذوق»، بالتأكيد بسبب الإصرار الذي نقره جميعا. وبينما يشجع المرء موقف الإقرار المريح، هل يكذب على نفسه أم «يغير شكل» الماضي بشيء خلاف ذلك؟ وبينما تتحول كل «هكذا كان» إلى «هكذا أردته»، فهل هذا جزء من خداع النفس أم شيء أكثر سموا؟ يميل المفسرون، فيما عدا استثناءات قليلة جديرة بالثناء، إلى عدم طرح هذه الأسئلة، كما لو أنها في حد ذاتها إهانات موجهة إلى الذوق السليم.
إن الفقرة المأخوذة من «العلم المرح»، التي تدور حول إكساب حياة المرء أسلوبا مميزا، تثير نفس الموضوعات. وفي واقع الأمر، ثمة إيحاء فيها بأن المرء هو صاحب الفعل والتصرف، كالحال عندما يتحدث نيتشه عن «الممارسة الصبورة والجهد اليومي»؛ على الرغم من أنها مجددا تراجع مواقف تبدو أهم: «في هذا الموضع سترنا قبحا لم نستطع اقتلاعه، وفي الموضع الآخر تحول إلى جمال رفيع.» ومع هذا، عندما نتذكر أن شخصية المرء هي التي تكون محل النظر والتفكير، فماذا يكون هذا «التحول» إلا كذبا على النفس؟ لنفترض أنني قلت شيئا لشخص لكي أهينه، وأجد لذلك وقعا بغيضا ومخزيا عندما أتذكره. هل أخبر نفسي بأنني كان لدي دافع بديل؟ هل يمكنني دائما أن أقنع نفسي بأنني شخص صالح؟ هل تصرفي هذا سيساهم في تحسين شخصيتي؟ عندما يقول نيتشه بعد ذلك بتسعة أجزاء، في عبارة مميزة: إننا «نريد أن نكون الشعراء في حياتنا»، نتذكر أنه يقول في كتابه التالي، متخفيا وراء شخصية زرادشت: «الشعراء يكذبون على نحو مفرط، ولكن للأسف، زرادشت أيضا شاعر.»
وهكذا يواصل نيتشه حديثه، أو هذا ما يبدو لي، فيظل دائما مؤمنا بالواحدية، بكيان عضوي واحد، من نوع ما؛ في «مولد المأساة» آمن بالواحد البدائي الذي يدعم المظهر الأبولوني. وبعد توقفه عن الإيمان باحتمالية وجود أي نوع من النظام الميتافيزيقي، ظل مرتعبا من أهوال الوجود ، ولكن تعتمد جميع وسائله على الإصرار على ضرورة أن نرى الوجود من جانب «واحد». لماذا يفترض أن يؤدي هذا إلى جعل الأمور أفضل وأسهل أو أيا كان ما يريدها عليه؟ مع هذا، ثمة جزء آخر طلسمي في «العلم المرح» 276، يتسم بالجمال الشديد، مرة أخرى، لدرجة أنه يأسر لب المرء من كثرة التفكير فيه. تتحدث هذه الفقرة عن عدم الرغبة في أن يتغير أي شيء عما هو عليه، وعن أن صرف النظر هو إنكاره الوحيد. وهذا ليس بشيء أكثر من مجرد تلميح إلى فكرتيه المفضلتين: حب القدر والتكرار الأبدي؛ فالأولى هي صيغة لتقبل كل ما تقدمه الحياة كيفما يكون، والثانية هي السبب في أن ينحو المرء هذا المنحى في حياته.
في كتاب «إرادة القوة»، الذي لم أزل معترضا بصفة عامة على استخدامه، ولكني لا أنكر أنه يحتوي على العديد من الفقرات التنويرية، يقول نيتشه: «الأخلاق: أو «فلسفة الاشتهاء» ... «يجب أن تختلف الأمور»، ««سوف» تختلف الأمور»: سيصبح عدم الرضا عندئذ جرثومة الأخلاق»:
Bilinmeyen sayfa