Nietzsche: Çok Kısa Bir Giriş
نيتشه: مقدمة قصيرة جدا
Türler
كان اهتمام نيتشه الأساسي على مدار حياته منصبا على رسم العلاقة بين المعاناة والثقافة، أو الثقافات. وهو يصنف الثقافات ويفرزها حسب طريقة تأقلمها مع المعاناة كلية الوجود، ويقيم الأخلاق بناء على المعيار نفسه. ولهذا السبب كان مهتما بالتراجيديا، لكنه فقد هذا الاهتمام عندما بدأ يشعر أنها ليست خيارا عصريا. ولهذا كان دائما مشغول البال على نحو بالغ بالبطل، في الحياة أكثر منه في الفن، واحتاج في نهاية المطاف إلى إعادة تطهير نفسه روحيا باعتباره إنسانا أسمى
Übermensch (لن نترجمها بأنها «الإنسان الخارق» تفاديا للسخافة واللامعقولية، ولا «الإنسان الأعلى» اتقاء للتكلف). هذا هو أساس هجومه على الميتافيزيقا السامية، وعلى جميع الأديان التي تفترض وجود حياة بعد الموت. وبالطبع، كان هذا ذا أهمية «وجودية» أساسية بالنسبة إليه؛ لأنه كان يعاني في حياته.
إن هذا الانشغال بنظرة الإنسان إلى المعاناة يرتبط باهتمام نيتشه بالعظمة لا بالجودة؛ لأنه لا توجد عظمة دون استعداد وقدرة على تحمل قدر هائل من الألم واستيعابه واستثماره على نحو أمثل. قد يتخيل المرء أن العظمة تنطوي على الاستفادة من الألم، وأن الجودة تنطوي على محاولة التخلص منه. ويكرس نيتشه جميع أعماله اللاحقة لاستكشاف هذا الفارق العويص. ففي «الفجر»، قدم تحليلاته الأولى - التي لم تكن تجريبية مطلقا - لآليات الأخلاق، ولنوع النفوذ الذي تستحضره.
تفاديا لسوء الفهم، لعل من المفيد أن نقتبس باستفاضة فقرة من «الفجر»، والتي تضعف العديد من الانتقادات التي كثيرا ما وجهت إلى نيتشه:
ثمة طريقتان لإنكار الأخلاق. فقد يعني «إنكار الأخلاق» أولا: إنكار أن تكون البواعث الأخلاقية التي يستخدمها الناس هي التي تقف حقا وراء أفعالهم، وهو ما يعني أن الأخلاق مجرد كلام وأنها من الخدع الفظة أو المعقدة التي يمارسها الإنسان، وربما خصوصا أولئك الرجال المشهورين بفضيلتهم (وهي كثيرا ما تكون خداعا للنفس). وقد يعني ثانيا: إنكار أن تكون الأحكام الأخلاقية قائمة على حقائق. وفي هذه الحالة نسلم بأن هذه الأحكام هي البواعث الحقيقية للأفعال، وبأن الأخطاء، التي هي أساس كل الأحكام الأخلاقية، هي التي تقف وراء أعمال الناس الأخلاقية. هذا الرأي الأخير هو رأيي؛ لكنني لا أنفي أنه في كثير من الحالات يكون الارتياب في الرأي الأول - أي كما يرى لاروشفوكو وغيره ممن يفكرون بطريقته - شيئا في محله وله فائدة كبيرة عموما. أنا إذن أنكر الأخلاق كما أنكر الخيمياء، بمعنى أنني أنكر فرضياتها، لكني لا أنكر أنه قد وجد خيميائيون آمنوا بهذه الفرضيات وارتكزوا عليها في أعمالهم، كما أنكر اللاأخلاقية: ليس لأن العديد من الناس يشعرون بأنهم غير أخلاقيين؛ بل لأنه لا يوجد سبب يدعوهم للإحساس بكونهم كذلك. كما لا أنكر أنه من البديهي - إذا سلمنا بأنني لست أخرق - تفادي الكثير من الأعمال اللاأخلاقية ومحاربتها؛ وأنه يجب القيام بالكثير من الأعمال الأخلاقية والتشجيع عليها - ولكنني أعتقد أننا يجب أن نشجع هذا ونتفادى ذاك لأسباب غير التي كانت وراء قيامنا بهما حتى الآن. علينا أن نغير طريقتنا في النظر إلى الأمور - لنتوصل في نهاية المطاف، ربما في مرحلة متأخرة جدا، إلى تغيير طريقتنا في الشعور. «الفجر»، 103
من المؤسف أن ما يصفه لنا نيتشه بأنه «بديهي» هو شيء نادرا ما كلف نفسه عناء تكراره بتلك الطريقة؛ لأنه من المعروف على نحو دارج وشائع أنه أنكر بالفعل «تفادي الكثير من الأعمال اللاأخلاقية ومحاربتها» ... إلخ. لاحظ، على الرغم من ذلك، في هذا الكتاب الشديد الدقة - وهو ملمح متكرر في كتاب «الفجر» تدهشنا كثيرا ندرة الإشارة إليه - أنه يقول: «الكثير» من الأعمال ، ولكنه لم يحددها . وحسب اعتقادي، يرجع هذا جزئيا إلى خضوع آرائه لتطور جذري في ذلك الوقت، وربما لم يرغب في إلزام نفسه بحالات معينة. ولكنه متردد أيضا في هذه المرحلة حول إلى أي مدى سيؤدي سحب «الفرضيات» الأخلاقية إلى تغيير النتائج. ومن بين الفرضيات التي يواصل فورا مهاجمتها تلك التي تحدد هدف الأخلاق بأنه يعنى ب «الحفاظ على الإنسانية وتحقيق تقدمها»، والتي يسأل عنها قائلا:
هل يمكن للمرء أن يستنتج من ذلك عن يقين ما إذا كان من الواجب إطالة وجود الجنس البشري لأمد أطول، أم إخراج الإنسان - ما أمكن ذلك - من حالة الحيوانية؟ لا شك أن اختلاف الوسيلة، وأقصد الأخلاق العملية، سيكون كبيرا في الحالتين ... أو إذا سلمنا بأن الهدف هو «السعادة الكبرى» للإنسانية كإجابة عن سؤال «على ماذا» و«على نحو ماذا»، فهل فكرنا في أعلى درجات السعادة التي قد يصل إليها بعض الأفراد؟ أو في السعادة المتوسطة، التي لا يمكن بالضرورة تحديدها، والتي قد يصل إليها جميع الناس في نهاية المطاف؟ ولماذا سيختارون الأخلاق ليبلغوا ذلك الهدف؟ «الفجر»، 106
ويواصل نيتشه بإيقاعه الهائج، تاركا المفسر البائس في حيرة من أمره حول ما إن كان عليه أن يشرح الأمر بالتفصيل أم لا، وهو عمل قيم كان من الممكن أن يؤدي إلى إنتاج كتاب ضخم للغاية، ولكن ليس أضخم من الكتب التي حازت مرارا وتكرارا العديد من الجوائز عن أعمال بلا قيمة، مثل كتاب كانط «نقد العقل العملي»، وهو بلا شك أكثر خيبات الأمل فجاعة في تاريخ الفلسفة، والذي جاء بعد «نقد العقل الخالص»، أحد أعظم أمجاده. على أية حال، هذا مستحيل هنا. فالهجوم الأساسي لكتاب «الفجر»، الذي حمل أيضا كما هو الحال دائما، تأملات حول موضوعات كثيرة ومتنوعة تشغل الموسيقى المعاصرة حيزا كبيرا منها؛ كان يهدف إلى توضيح الأزمة التي وقعت الأخلاق فيها. فحسبما يصفها باقتضاب: ««المنفعة»، أضحت المشاعر اليوم متشابكة في الأمور الأخلاقية إلى حد أنه في نظر أحدهم تثبت الأخلاقيات من واقع منفعتها، فيما تدحض لدى آخر بسبب المنفعة ذاتها » («الفجر»، 230).
إن الملحوظ بشأن كتاب «الفجر» هو محدودية فرضياته وتواضعها. فما من إشارة إلى أن زرادشت سينزل قريبا من فوق الجبل ليحطم جميع أوثاننا الأخلاقية. إن معظم الأمور التي يؤكد عليها تبدو بالنسبة إلي غير قابلة للجدل، ولكن من الواضح أنها ليست كذلك بالنسبة إلى الجميع. وهكذا ما زلنا نجد العديد من الأشخاص، ومن بينهم الفلاسفة، يدعون، مثلا، أن الأخلاق نظام يدعم نفسه بنفسه، ولا يعتمد على أي شيء خارجه، وأن الأخلاق مبنية على المنطق، وأن أساس الأخلاق واضح؛ أي إن الأخلاق، حسبما يقول نيتشه، تثبتها منفعتها أو تدحضها نفس المنفعة. من المهم مناقشة هذه الموضوعات باستفاضة، ولكن هذا سيكون أمرا خارج السياق عند النظر إلى تطور نيتشه؛ لأن جميع المناقشات الحالية عن الأخلاق، على الأقل في العالم المتحدث بالإنجليزية، تفترض بالكامل إنكار نيتشه. وما من مناقشة، على حد علمي، مستعدة لأن ترى كيف أن قوانين الأخلاق المتنوعة والمتباينة إلى حد ما التي نصادفها تنشأ عن آراء متضاربة حول طبيعة العالم. إنه لمن المثير للعجب، على سبيل المثال، أن نسمع الفلاسفة يتحدثون عن «حدسهم» كشيء يمكن الوثوق به دون رقابة، ما لم يتعارض حدس مع آخر. «حدسي يخبرني أن ...» هي طريقة شائعة لبدء مناقشة فلسفية، كما لو أن هذا الشخص يجسد الصوت الخالد للبشرية!
ومن هذا المنطلق أيضا، الذي إذا لم يكن نابعا من حدس المرء نفسه فهو نابع إذن من حدس الذين «نشاركهم» حدسهم، قوبلت دائما العديد من المواقف الأخلاقية لنيتشه بالتجاهل باعتبارها «نخبوية» و«مناهضة للديمقراطية»، وغير ذلك من أسباب أخرى. إنه موضوع حيوي، ويجب أن يتأقلم معه أي مفسر لفكر نيتشه، وسأقتبس هنا، باستفاضة أيضا، من هنري ستاتين، الذي كتب ما أعتبره أكثر الكتب التنويرية عن نيتشه:
Bilinmeyen sayfa