أحدهما - أن أكثرهم لم يكن مقيمًا في مدينة يقصد إليها للعلم، ويفد إليها التلاميذ، فدمشق في عهد الأوزاعي، كان العل قد رحل منها إلى المدينة وبغداد، ومصر في الوقت الذي كان فيه الليث لم تكن قد صارت منتجعًا للعلم إلا ما كان من تلاميذ الإمام مالك الذين كانوا يغالبون أصحاب الليث حتى غلبوهم.
الثاني - أنه لم يكن له تلاميذ أقوياء ينشرون في الأقاليم آراءهم، ويخدمونها بالتدوين أو الفحص والجمع والرواية، ويقربونها إلى الناس، ويجعلونها دانية القطوف، ولم يكن ثمة سلطان يؤيدها.
٧ - انحسرت موجة التاريخ عن ثمانية مذاهب معروفة دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ. ودرست من التلاميذ في الأماكن التي انتشرت فيها تلك المذاهب، وبعضها كثر عدد معتنقيه، وبمقدارهم كان الدرس والفحص، وبعضهم تعددت أماكنه، وحيثما حل تأثر بعادات الإقليم وعرفه، وذلك في غير ما ثبت بالنص كما ترى في المذهب الحنفي، في اختلاف العادات بين فقه أرض الروم، وما وراء النهر، والعراقين، والاختلاف فيه أعراف لا اختلاف فقه.
وكما ترى في مذهب مالك بين اختلاف المغرب، ومن كان من أتباعه في العراق وهكذا، وكان ذلك في فروع جزئية، وكما نرى في اختلاف المذهب الشافعي (١) بين الخراسانيين والعراقيين.
_________
(١) في الأصل: المذهب الحنبلي، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه. اهـ. الناشر.
1 / 30