أى: بدل ماء زمزم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)﴾ (١) أي: بدلكم والمعنى: أن المحظوظ لا ينفعه حظه بذلك، أى: بدل طاعتك وعبادتك. قال: ويجوز أن تكون من على أصل معناها، أعنى: الابتداء، وتنعلق إما بينفع، وإما بالجد، والمعنى: أن المجدود لا ينفعه منك الجد الذى منحته، وإنما ينفعه أن تمنحه التوفيق واللطف في الطاعة، أو لا ينفع من جده منك جده، وإنما ينفعه التوفيق منك. وقال الجوهري: منك ها هنا، معناه: عندك (٨٦).
ويذهب مع الزجاج إلى إنكار كون إلى بمعنى مع في قوله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ (٦)﴾ (٢) فيقول: قال الزجاج: إلى في هذا الموضع بمعنى مع غير متجه، إنما تكون تحديدا؛ لأنه لو كان معنى الآية: اغسلوا أيديكم مع المرافق، لم تكن في المرافق فائدة، وكانت اليد كلها يجب أن تغسل من أطراف الأصابع إلى الإبط؛ لأنها كلها يد، ولكنه لما قال ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ (٦)﴾ أمره بالغسل من حد المرفق إلى أطراف الأصابع، كأنه لما ذكر اليد كلها: أراد أن يحد ما يغسل من غيره، فجعل حد المغسول المرفق، وما زاد غير داخل في حد المرافق، فالمرفق منقطعة عما لا يغسل، داخلة فيما يغسل (٢٧، ٢٨).
ويفرق في الجواب بين "أجل" و"نعم" فيذهب إلى أن "أجل" تقع في جواب الخبر محققة له، يقال: قد فعلت كذا؟ فتقول: أجل، ولا تصلح في جواب الاستفهام. وأما "نعم" فمحققة لكل كلام (٣٨). وهذا وإن تابع فيه الجوهري، إلا أن الأخفش ذكر أنها تكون في الخبر والاستفهام، إلا أنها في الخبر أحسن من نعم، ونعم في الاستفهام أحسن منها. فإذا قال: أنت سوف تذهب، قلت: أجل. وكان أحسن من نعم، وإذا قال: أتذهب؟ قلت: نعم، وكان أحسن من "أجل" (٣) (٣٨).
ويفرق ابن بطال بن أل التى للجنس وأل التى للعهد في قولهم في الدعاء "حق ما قال العبد وكلنا لك عبد" بأن الألف واللام في "العبد" لتعريف الجنس، لا لتعريف. العبد، قال: والمراد: العبيد، كقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾ (٤) وأراد الناس، بدليل أنه استثنى منه الجمع، فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (٣)﴾ (٢).
ويوضح نواحى التصريف في بنية الكلمة من إعلال وإبدال وحذف وإدغام وفك، وغيرها، فيفصل كيف أن الدوى في الحديث "بسمع دَوِىُّ صوته" (٥) أصله: دوييى، على فعيل من دوى يدوى دويا فأدغم؛ لاجتماع المثلين (٥١) وأن تطوع في الحديث: "إلا أن تطوَّع" أصله تتطوع، فأبدلت التاء الثانية طاء، وأدغمت في الطاء (٥١) وأن المواقيت: جمع ميقات، وأصله: مِوْقات -بالواو- فقلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها، قال: ولهذا ظهرت في الجمع، فقيل: مواقيت، ولم يقل: مياقيت (٥٢). ويبين أن أيامى أصله: أَيَايِمٌ، فلما اجتمع فيه ثقلان، وهما: جمع، وياءان، بينهما ألف التكسير: جعلت لامه عينا، وعينه لاما، فصمار أيامى- بكسر الميم بوزن أفالع، بعدما كان أفاعل كقواض ثم قلبت كسرة الميم فتحة، والياء ألفا لفظًا؛ لانفتاح ما قبلها، فصار أيامى بوزن أفالع. (١٢٥) ويذكر أن العيد: من عود المسرة ورجوعها، وأن ياءه منقلبة عن واو، وجمعه أعياد، قال: وإنما جمع بالياء، وأصله الواو؛ للزومها في الواحد، وقيل للفرق
_________
(١) سورة الزخرف آية ٦٠.
(٢) سورة المائدة آية ١٦.
(٣) انظر المغنى ١/ ٢٠ والجنى الدانى ٣٦٠، ٣٦١.
(٤) سورة العصر آية: ٢.
(٥) المهذب ١/ ٥٠ ومعالم السنن ١/ ١٢٠ والنهاية ١/ ٢٢٩.
المقدمة / 46