Bilgi Teorisi ve İnsanın Doğal Duruşu
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Türler
وإذا كنا نصف المثالية هنا بأنها لغة أو تفسير لا يمس محتوى المعرفة بل يمس شكلها فحسب، ولا يؤثر آخر الأمر في تعاملنا الفعلي مع الأشياء، فإن هذا يتضمن نقدا للاتجاهين: الاتجاه القائل إن المثالية تؤدي إلى نوع جديد من المعرفة بالأشياء، والاتجاه القائل إنها تعوقنا عن معرفة الأشياء.
أما عن الاتجاه الأول، فمن الواضح - من كل ما ذكرنا في هذا الفصل - أن تعاملي الفعلي مع موضوعات العالم الخارجي سيظل على ما هو عليه سواء أكنت مثاليا أم ماديا، ولن يستطيع أحد أن يجد فارقا بين صاحب المذهب المثالي وصاحب المذهب المادي في نظرته إلى الشمس أو البحر أو الجبل أو المنضدة من حيث هي أشياء يتعامل معها (ولنكرر هنا ما قلناه من قبل من أن الفلاسفة يبحثون في موضوعات الموقف الطبيعي، أو في العالم الأكبر المنظور والملموس، ولا يمكنهم اتخاذ الموقف العلمي إلا بطريقة غير مباشرة، وبعملية اقتباس مستمدة من مجال العلم، وعلى العموم فمثل هذه الموضوعات أو الأشياء السابقة هي التي كان الفلاسفة المثاليون يحاولون إثبات مثاليتها)، وسيظل كل منهما يسلك نحو هذه الأشياء نفس السلوك، ويفهمها نفس الفهم، وإن يكن «يفسرها» بلغة مختلفة.
ونفس هذا الرد ينبغي أن يوجه إلى أصحاب الاتجاه الثاني، فالمثالية - من حيث هي نظرية في معرفتنا لموضوعات العالم الخارجي - لا تعوقنا عن معرفة شيء، وهي لا تنكر أي موضوع من موضوعات ذلك العالم، ولكنها تفسره بلغة مختلفة فحسب، ولم يحدث أن قال شخص من المتأثرين بالمثالية: إن هذا الجبل صورة في ذهني، أو راجع إلى صورة كهذه، فليس هناك ما يدعوني إلى كشفه أو ارتياده، ففي مجال التعامل مع الأشياء الواقعية تستوي المثالية والمادية معا، ولا ينعكس رأي أي مذهب منهما على سلوك الإنسان الفعلي مع هذه الأشياء، أو على درجة معرفته لها.
وإذا كنا قد اتخذنا هنا موقفا مضادا للمثالية على الدوام، فليس هذا راجعا إلى اعتقادنا بأنها تعوق معرفتنا بالعالم الخارجي أو تؤثر فيها على أي نحو من الأنحاء، وإنما لأنها تقدم تفسيرا «يتناقض» مع سلوك الإنسان الفعلي، أي لأن الإنسان لا يستطيع أن يسلك في هذا العالم إذا حاول أن يطبق الآراء المثالية على سلوكه هذا تطبيقا حرفيا، فهناك إذن «هوة» بين الآراء المثالية النظرية وبين سلوك الإنسان الفعلي، وهي هوة أشار إليها الفلاسفة المثاليون أنفسهم حين أكدوا أن الإنسان - والفيلسوف نفسه - يعيش في «معظم» أوقات حياته حسب الموقف الطبيعي، ويسلك كما لو كانت الأشياء ذات وجود خارجي بالفعل.
لهذا السبب كان اعتراضنا على المثالية رغم كونها لا تؤثر في «محتوى المعرفة» أدنى تأثير، ولكن هل يعني هذا أن الموقف المثالي لا تأثير له على الإطلاق؟ وهل يعني ذلك أن اتخاذ فيلسوف معين لهذا الموقف إنما هو مجرد اختيار اعتباطي لا يعبر عن شيء؟ وهل الفارق بين الموقف المثالي والموقف الطبيعي فارق في الشكل أو في لغة التفسير، ولا ينعكس على المجال العملي على أي نحو من الأنحاء؟
ليس هذا ما نرمي إليه على الإطلاق، فللمثالية - من حيث هي موقف فلسفي - تأثير فعلي، وهي تعبر فعلا عن شيء، بل إن لها أصداء عملية غاية في الأهمية، ولكن هذا الصدى أو التأثير يتعلق «بالإنسان» نفسه، وهذا هو موضوع الفصل التالي من هذا البحث.
المثالية والإنسان
قد يبدو ما نقوله هنا من أن للمثالية تأثيرات عملية هامة مناقضا لما قلناه في الفصل السابق من أن المثالية لا تؤثر في مواقف الإنسان العملية أدنى تأثير، ولكن الواقع أن المقصود بالمواقف العملية في الفصل السابق هو تعامل الإنسان مع موضوعات العالم الخارجي بمختلف الصور المعرفية والسلوكية لهذا التعامل، أما في الحالة الأولى - التي هي موضوع هذا الفصل - فالمقصود من التأثيرات العملية للمثالية هو تأثيرها في الإنسان نفسه، ولا سيما في مواقفه الأخلاقية واتجاهاته الاجتماعية ... إلخ، فليست للمثالية نتائج عملية من حيث مدى معرفة الإنسان بالعالم الخارجي أو تصرفه مع موضوعات هذا العالم من حيث هي موضوعات لمعرفته، ولكن لها نتائج عملية هامة من حيث سلوك الإنسان الأخلاقي وتعامله مع بقية الناس.
ولقد أوضحنا من قبل رأينا القائل: إن المثالية مجرد لغة وتفسير للوقائع لا يتناول محتوى معرفتنا لهذه الوقائع، وذكرنا كيف أن هذه اللغة تتناقض مع التصرف العملي للإنسان - بوجه عام - بالنسبة إلى موضوعات العالم الخارجي، أي إننا بينا أن اللغة المثالية ليست هي التي تصلح للتعبير عن العلاقة الفعلية للإنسان بالعالم الخارجي، والمشكلة التي نعالجها في هذا الفصل هي: ما الذي يدعو الإنسان إلى استخدام هذه اللغة المثالية؟ وما نتائج هذا الاستخدام بالنسبة إلى المثالي؟ بل ما هي الدلالة الأصلية لاختيار فيلسوف ما لمثل هذه اللغة؟
ولا شك في أن كشف العوامل التي تدعو فئة معينة من الناس إلى اتخاذ الموقف المثالي هو - في رأينا - من أهم الموضوعات التي تستحق البحث في صدد هذه الفلسفة؛ لأن كل ما تدعيه من تغيير لصورة العالم لا يطابق أي شيء في الواقع، ولا يؤدي إلا إلى تغيير داخلي في الإنسان فحسب، فما هو إذن هذا التغيير؟
Bilinmeyen sayfa