فَإِنْ مَشَى خيل إليه أنه يمشي على رملة ميثاء، وإن تحرك خيل إليه أن تحت قدميه حفرة جوفاء، حتى يقعد به خوفه ووسواسه عن الغاية التي يريد الوصول إليها، على أن الكاتب لا يبلغ مرتبة الكتابة إلا إذا نظر إلى الألفاظ بالعين التي يجب أن ينظر بها إليها، فلم يتجاوز بها منزلتها الطبيعية التي تنزلها من المعاني، وهي أن تكون خدمًا لها وخولًا، وأثوابًا وظروفا، فإذا كتب تركها وشأنها، وأغفل أمرها حتى تأتي بها المعاني وتقتادها طائعة مرغمة، والمعاني هي جوهر الكلام ولبه، ومزاجه وقوامه، فما شغل الكاتب من همته بغيرها أزرى بها حتى تُفلت من يده، فيفلت من يده كل شيء.
وبعد فالعلم والمحفوظات والمقروآت والمادة اللغوية، والقواعد النحوية، إنما هي أعوان الكاتب على الكتابة ووسائله إليها، فالجاهل لا يكتب شيئا؛ لأنه لا يعرف شيئا، ومن لا يضطلع بأساليب العرب ومناحيها في منظومها ومنثورها سرت العجمة إلى لسانه، أو غلبته العامية على أمره، ومن قل محفوظه من المادة اللغوية قصرت يده عن تناول جميع ما يريد تناوله من المعاني، ومن جهل قانون اللغة أغْمَضَ الْأَغْرَاضَ وَأَبْهَمَهَا، أو شَوَّهَ جَمَالَ الْأَلْفَاظِ وَهَجَّنَهَا، وَلَكِن لَيْسَتْ هَيَ جَوْهَرُ الْفَصَاحَةِ، وَلَا
1 / 39