فأمسك عنها أياما ثم تغفل أمها عنها ذات يوم، وخرج بها إلى الصحراء حتى أبعد فاحتفر لها حفرة، وجعلها فيها فجعلت تقول: يا أبت ما تريد أن تصنع بي؟ وما هذا الذي تفعل؟ وهو يهيل عليها التراب، ولا يلتفت إليها وهي تئن وتقول: أتاركي أنت يا أبت وحدي في هذا المكان، ومنصرف عني؟ حتى واراها وانقطع أنينها، وبكاء الأعرابية التي مات منها ولدها في دار غربة، فدفنته ثم وقفت على قبره تودعه، وتقول: والله يا بني لقد غذوتك رضيعا، وفقدتك سريعا، وكأن لم يكن بين الحالين مدة ألتذ بعيشك فيها، فأصبحت بعد الغضارة والنضارة ورونق الحياة والتنسم بطيب روائحها تحت أطباق الثرى جسدا هامدا ورفاتا سحيقا، وصعيدا جزرا، اللهم إنك قد وهبته لي قرة عين فلم تمتعني به كثيرًا، بل سلبتنيه وشيكًا، ثم أمرتني بالصبر، ووعدتني عليه الأجر، فصدقت وعدك، ورضيت قضاءك، فارحم الله غربته، وآنس وحشته، واستر عورته، يوم تنكشف الهنات والسوآت، واثكل الوالدات ما أمض حرارة قلوبهن، وأقلق مضاجعهن، وأطول ليلهن، وأقل أنسهن، وأشد وحشتهن، وأبعدهن من السرور، وأقربهن من الأحزان، وشقاء ذينك البائسينالمنكوبين عروة بن حزام وعفراء بنت عقال ومناصبة الدهر لهما
1 / 19