Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Türler
وهو في أسفاره مثله في مجلسه. لاحظ الصدر الأعظم يونس باشا، وهم في الطريق إلى مصر، أن في قطع الصحراء هلاك الجيش، فضرب السلطان عنقه. واجترأ أحد الوزراء أن يعترض على إبقاء أوقاف بعض الشراكسة بيدهم قائلا: سيستعينون بها علينا. فقال السلطان وهو يركب جواده: أين الجلاد؟ فضرب عنق الوزير، بينما كان صاحب الجلالة العظمى يضع رجله في الركاب.
هذا هو مؤسس الدولة العثمانية في البلاد السورية، وقد عاد بعد فتحها إلى الآستانة ومعه أحمال لا تعد من المال والتحف وأنواع الأسلحة والزينة مما كان في قلعة حلب وغيرها.
أما إدارة البلد فلم يغير شيئا في جزئياتها. ظل أرباب الإقطاعات مثلا كما كانوا في دولة المماليك يضمنون الخراج، ويحملون الكرباج، فيدفعون للولاة مما يجمعون، وهم فيما يجمعون لا يرحمون.
ولا هم يرحمون، فإذا غضب الوالي على أحدهم لتأخره عن الدفع مثلا، يرسل عليه جيشا من الإنكشارية فيخرب قراه، ويستصفي أمواله، ويأسر أهله، ويسبي نساءه. فهل يلام المسكين إذا حمل الكرباج؟
من أولئك الإقطاعيين في بداية العهد العثماني، الأمير فخر الدين المعني الأول حاكم الشوف، والأمير جمال الدين الأرسلاني حاكم الغرب، وبنو شهاب في وادي التيم، وبنو حرفوش في بعلبك.
وكان من قواعد الدولة أن تولي أمورها الكبرى لولاتها وقضاتها ، والصغرى لأبناء البلاد، ولكن الولاة
1
كانوا يبتاعون مناصبهم بالمزاد في دار السلطنة، فيرهقون بعد ذلك ويسخرون، ويغتصبون ويختلسون؛ ليعوضوا على أنفسهم فلا يكونون في الأقل من الخاسرين.
من أمثال هذه التجارة، بل هذا الاستعباد، أن أمر السلطان مراد مرة بأن يكتب إلى أحمد باشا كوجك والي الشام ليدفع إلى السلحدار باشا عشرين ألف ليرة (المتبقية على الوالي في الحساب) ويبقى في منصبه، فأدى كوجك المبلغ وهو يحمد الله.
ولا تظنن أن السلطان الصالح المقتدر كان يستطيع أن يصلح أمرا في السلطنة القائمة على حدي السيف والدينار، أو يغير شيئا كبيرا في أحوال أمة لم تتغذ في الألف سنة التي خلت بغير المظالم والحروب.
Bilinmeyen sayfa