( 47 )
قالوا: وقام إليه رجل من أهل السواد(1) عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتابا، فأقبل ينظر فيه، فلما فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطردت مقالتك(2) من حيث أفضيت(3)! فقال(عليه السلام) :
هيهات يابن عباس! تلك شقشقة(4) هدرت(5) ثم قرت(6)!
قال ابن عباس: فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على ذلك الكلام ألا يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد.
قوله(عليه السلام) في هذه الخطبة: «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم» يريد: أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها، وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها، يقال: أشنق الناقة: إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه، وشنقها أيضا، ذكر ذلك ابن السكيت في «إصلاح المنطق».
وإنما قال (عليه السلام): «أشنق لها» ولم يقل: «أشنقها»، لانه جعله في مقابلة قوله: «أسلس لها»، فكأنه(عليه السلام)قال: إن رفع لها رأسها بالزمام يعني أمسكه عليها.
وفي الحديث: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خطب الناس وهو عل ناقة قد شنق لها وهي تقصع بجرتها.
ومن الشاهد على أن أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي:
ساءها ما بنا تبين في الايدي
وأشناقها إلى الاعناق
Sayfa 47