أنهم لا يعلمون ذلك بل ولا يظنونه ، فإن كذبتموهم فعلتم ما لا يحسن ، وكلموكم بمثله. والفرق بين الرجوع إلى القرآن والتواتر وبين خبر الواحد واضح ؛ لأن ذلك لما كان معلوما ضرورة لم يخالف فيه عاقل ، والخلاف فيما ادعوه ثابت ، وكذلك القول في رجوع العامي إلى الفتوى ، وكذلك القول في سخاء حاتم وشجاعة عمرو ، ولأن من خالف في ذلك كله لا يناظر ويقع على بهته ومكابرته ، وليست هذه صفة من خالف في أخبار الآحاد.
وبعد ، فإذا كنتم تعلمون على الجملة أن القوم عملوا على أخبار الآحاد ، فلا فائدة في ذكر هذه الأخبار المعينة وتدوينها في الكتب ؛ لأنها تقتضي الظن على أجل أحوالها ، وأي تأثير للظن مع العلم الضروري؟! وقولهم : «ليطابق التفصيل الجملة» كلام لا محصول له ؛ لأن التفصيل الذي جاءت به هذه الأخبار غير معلوم ، والجملة هي التي يدعون العلم بها ، فلا تطابق بين معلومين.
ثم يقال لهم : كما احترزتم لأبي علي في عبارتكم عما يتعلق به في العلم الضروري ، وقلتم : نعلم ضرورة أنهم عملوا على ما لا ينتهي إلى التواتر من الأخبار ، ألا احترزتم للنظام ومن وافقه ممن نفى العمل بأخبار الآحاد كلها مما لا يحصل عنده علم ويقين؟! فليس النظام ومن وافقه بدون أبي علي وأصحابه. ومن العجب قولهم : إنهم إنما عملوا على العمل بأخبار الآحاد لنص من الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم قاطع على ذلك ، وإنما لا يوجد هذا النص المعين في النقل ؛ لأن الإجماع قد أغنى عن نقله ، وهذا فاسد ؛ لأن قيام حجة ودلالة لا يغني عن أخرى ، ولو كان الرسول عليه السلام قد نص لهم على وجوب العمل بخبر الواحد نصا معينا مفصلا ، لوجب كون نقل هذا النص والتواتر به مستمرا وأن ينعقد الإجماع على مضمونه ؛ لأن الحجج قد تترادف ، وتتضاعف. وبعد ؛ فقد بينا أنه لا إجماع على ما ذكروه ، فيغني عن التواتر بالنص عليه .
وأما الوجه الثاني في الكلام على هذه الطريقة إذا سلمنا صحة كل شيء رووه من هذه الأخبار المعينة ، ولم نقدح فيها ، ولا طالبنا بدلالة على صحتها فهو أن نقول : المعلوم أنهم عملوا عند هذه الأخبار ، والعمل عندها يحتمل أن
Sayfa 233