وها أنا أورد منها ما يفوح نفسه، حتى كأن الحبيب يتنفسه. ويعبق روحه، حتى كأن فوح الزهر فوحه.
قال في ديباجته: هذه نبذة من شعرٍ سمح به الخاطر على جموده، وتوقد به الفكر على خموده. وإن كنت في زمنٍ العاقل فيه خليقٌ بالصَّمت وإن أداه إلى المقت.
ذهب جلُّ الناس، وأين الزِّعنفة من الرأس.
لا يجاز فيه شاعرٌ، ولا يكرم أديبٌ ماهر.
غير أن حبَّ الأدب في الطِّباع، وهو داعٍ إلى الاتِّباع.
اتِّباعهم في التراكيب والبِنا، لا في الإجادة لعدم الغنا.
ذهبت الإفادةُ، فكيف بالإجادة.
ولعمري من لا يجيد في عصرنا معذور، وذنبه فيما أتاه مغفور.
إذ أُرتِج باب البواعث والَّدواعي، بانقراض أهل الكرم والمساعي.
جوائز الأُمرا، إجادة الشُّعرا.
ولذلك قلت بغير امْتِرا:
قالوا أجاد البحتريُّ ... كما أجاد أبو نواس
فأجبت كانوا في أنا ... سٍ هم ولسنا في أُناسِ
وإذا نظرت فما أجا ... د سوى المواهب في القياس
ومما جردته من ديوانه قوله من مقصورة مطلعها:
حيِّي الحيا معهدنا باللِّوى ... حيث هوى النَّفس وغيُّ الصِّبا
وجاده كلُّ هَطولٍ سرت ... تحدو به في الأفق ريح الصِّبا
ليلته حتى بدا صبحها ... فأقلعت ديمته فانجلى
وقد أشاع الخصب في أرضه ... فأصبحت تزهو بزهر الرُّبى
ومدَّ فيها حبرًا وُشِّيت ... بالنَّبتِ قد كلِّل منها النَّدى
وغادر الغدران في ربعها ... تغصُّ بالعذب النَّمير الرَّوا
ولا جفا نجدًا ولا حاجرًا ... كلُّ هزيم الودق هامى الحيا
منازلًا واهًا لأيَّامها ... كانت مظنَّات الصِّبا والهوى
حيث الأماني طوع آمالنا ... والسَّعد عبدٌ طائعٌ والمنى
لله أيامٌ تقضَّت لنا ... بين ذرى الجزع وسفح اللوى
ما كان أهنأ عيشها ليته ... دام وليت العمر فيه انقضى
مرَّت كنجمٍ قد هوى ساقطًا ... لم يعتلقه الطَّرف حتى اختفى
يا هل معيدٌ لي عيشًا بها ... هيهات لا يرجع شيءٌ مضى
ليت ليالينا وأيامنا ... كانت لليلات ألالٍ فدا
ويلاه من سرعة تفريقنا ... وشَتِّ شمل الحيِّ بعد النَّوى
وآه من وقفة تشييعهم ... وقد شرقنا كلُّنا بالبكا
وسارت العيس بأحداجهم ... واستودعوا فيها بدور الدُّجى
من كلِّ هيفاء إذا ما بدت ... تختال أذرت بغصون النَّقا
خافقة القرطين رُعبوبةٍ ... رادِ الوشاحين أناةِ الخُطى
رخيمة الدَّلِّ إذا ما بدت ... تسحر باللَّحظ عقول النُّهى
ما ظبية البان على حسنها ... إذا تبَّدى جيدها والطُّلا
وظبيِ إنسٍ زارني طارقًا ... والبدر لا يبديه إلا الدُّجى
بات يعاطي الرَّاح من ثغره ... ممزوجةً بالعسل المجتنى
أشتمُّ من ريحان أصداغه ... وأجتني باللَّحظ ورد الحيا
وأجتلي غصن قوامٍ له ... أهيَف يحكي بانة المنحنى
لهفي على عيش التَّصابي ويا ... آهة قلبي لزمان الصِّبا
حيث الشَّباب الرَّوق يُغري بنا ... حفل الظِّبا الغرِّ وسرب المها
كانت عروس الدَّهر أيامنا ... طارت بها العنقاء نحو السَّما
ومن ربيعياته قوله:
انظر إلى فصل الربي ... ع كأنَّه فصل الشَّباب
والزَّهر مثل خلائق ال ... أصحاب من زهر الصِّحاب
وغصون بانات اللِّوى ... كمعاطف الهيف الرِّطاب
والورد أشبه بالخدو ... د من الشِّفاه على الشَّراب
أوَ ما ترى حدق الحدا ... ئق كيف تغمز للتَّصابي
وأصابع المنثور مس ... رعةً تشير إلى الرِّقاب
1 / 10