فأما أنا فلست أفصح بتفضيل أحدهما على الآخر، ولكني أوازن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتفقتا في الوزن والقافية وإعراب القافية، وبين معنى ومعنى، فأقول: أيهما أشعر في تلك القصيدة، وفي ذلك المعنى، ثم أحكم أنت حينئذ على جملة ما لكل واحد منهما إذا أحطت علمًا بالجيد والردئ.
وأنا أبتدئ بما سمعته من احتجاج كل فرقة من أصحاب هذين الشاعرين على الفرقة الأخرى، عند تخاصمهم في تفضيل أحدهما على الآخر، وما ينعاه بعضٌ على بعضٍ؛ لتتأمل ذلك، وتزداد بصيرة وقوة في حكمك إن شئت أن تحكم، أو اعتقادك فيما لعلك تعتقده مع احتجاج الخصمين به:
١ - قال صاحب أبي تمام: كيف يجوز لقائل أن يقول إن البحتري أشعر من أبي تمام وعن أبي تمام أخذ، وعلى حذوه احتذى، ومن معانيه استقى؟ وباراه حتى قيل: الطائي الأكبر، والطائي الأصغر، واعترف البحتري بأن جيد أب يتمام خيرٌ من جيده، على كثرة جيد أبي تمام؛ فهو بهذه الخصال أن يكون أشعر من البحتري أولى من أن يكون البحتري أشعر منه.
1 / 6