خلق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان، وجعل لكل عضو من أعضائه عملا يقوم بأدائه، فإذا تلف أي عضو منها عجز الإنسان عن إتقان عمله، وأصبح يعلل النفس بالآمال، يرقبها بقلب مشغوف بها، وباع قصير عن إدراكها، لا سيما إذا كان العضو المصاب مما له التأثير في غيره كالمعدة التي إذا اعتلت مرض لها الجسم كله، وأصبح الإنسان منغصا بأنواع السقام غارقا في بحار الأوهام، وربما حرم بذلك لذة التمتع بالفكر الذي شرفه الله به على سائر المخلوقات؛ لأن الأعصاب كلها مرتبط بعضها ببعض، فمتى اعتلت القوى الجسمية تبعها بعض الاعتلال في القوى العقلية، ويظهر ذلك جليا فيمن اشتد مرض أجسامهم ففقدوا عقولهم أو كادوا، والغالب أن العقل الحكيم في الجسم السليم.
لذلك وجب أن يهتم الإنسان بصحته التي هي من أهم الأسباب في تمتعه بالحياة الدنيا، فينظم أوقات عمله ورياضته، فلا ينهك قواه في العمل بلا رياضة، ولا يضيع زمنه كله في اللعب والبطالة؛ بل يتوسط في أمره، ويكون كما قال الشاعر:
وللجد أوقات وللهزل مثلها
ولكن أوقاتي إلى الجد أقرب
ولما كان الغذاء من أهم الأشياء لحياة الإنسان، وجب أن يهتم الإنسان بأمر غذائه، ويجعله في أوقات معلومة حتى تعتاد المعدة هضم الأغذية في تلك الأوقات، فلا يتأخر ميعاد الغذاء فيفقد تشهي الأكل، ولا يقرب بين مواعيد الغذاء؛ لئلا تتراكم المواد على المعدة، وتعجز عن هضمها.
هذا، وإن أغلب الأمراض إنما تنشأ عن عدم النظافة؛ ولذلك كان من أهم أسباب الصحة: الاعتناء بنظافة المأكل والمشرب والملبس والمسكن.
وإذا كان كل إنسان يأوي إلى منزله ليستريح من عناء العمل، ويخرج النفس من سجن الفكر إلى رياض الراحة وجب أن يكون المنزل نظيفا نقي الهواء مرتب الأثاث حتى يسر المرء بتسريح النظر بين أرجائه، ويصح جسمه باستنشاق هوائه العليل فيقوى على العمل، فلو بذلت ربة المنزل الجهد في تنظيفه وتنظيمه مراعية صحة من به وراحتهم غير متكلة على أحد في ذلك لوجد رب المنزل لذة في البقاء فيه، وشغله حسنه عن الخروج إلى الخارج، وصرف دراهمه سدى، وشبت الأطفال أقوياء على العمل يقومون بواجب دنياهم ودينهم.
لذلك كان من الحزم أن تجتهد الفتاة في معرفة ما يساعدها على مراعاة صحة الأطفال، وتدبير المنزل مثل قراءة المجلات الطبية وبعض الكتب في تدبير المنزل، تاركة كل ما يشغلها عن إتقان عملها من كثرة الخروج، والتغالي في الزينة، وتغيير لون وجهها الطبيعي بأشياء تصرف فيها دراهمها، وتضيع في صنعها نفيس وقتها، وهي مع ذلك لا تلبث أن تذهب، ويشتهر للناس أمرها وميلها للكذب، حتى في تغيير خلقتها الطبيعية. (38) عدو عاقل خير من صديق جاهل
إن الإنسان يصادق الإخوان ليكونوا ابتهاجا عند الفراغ، وعضدا في الأعمال، وعونا على المصائب، فإذا صاحب أناسا عقلاء فقد أصاب حاجته من طيب حديثهم، وسداد آرائهم، وحسن وفائهم، وإن أخطأ المرمى ومنح وده صديقا جاهلا فقد سرح آماله «بواد غير ذي زرع» ولم يكتسب من صداقته غير الكدر، وسوء المعاملة؛ لأن هذا الصديق يضره من حيث أراد أن ينفعه فيمضي العمر بين عتاب ممل وخطأ مستمر وغضب ورضا، فتكون العداوة خيرا من هذه الصداقة الفاسدة التي أقل ضررها ضياع الوقت سدى في محادثة غر جاهل لا يفقه حديثا، ومحاورة غبي بليد لا يدري مواقع كلامه من قلوب سامعيه.
هذا فضلا عن أنه ربما تسري فيه أخلاق صديقه فيكتسب من مصادقته الحمق والدناءة، وينسب إليه الجهل لمصاحبته، ويعزى له سوء فعله، وإن كان بريئا منه:
Bilinmeyen sayfa