فصل
في معرفة الطريق إلى وجوب
التفقه في الوضوء وغيره من الشرائع
قال الله ﷿: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] والدين الذي أمرنا بإقامته هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله سواه. قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩]، وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥]، وإقامته تفتقر إلى التفقه في شرائعه التي شرعها الله لعباده، وأوجبها عليهم في محكم كتابه، من الوضوء والصلاة والزكاة وسائر شرائع الدين، والتفقه فيها لا يستقيم إلا بعد المعرفة بوجوبها، ولا طريق إلى المعرفة بوجوبها إلا بعد المعرفة بالله تعالى على ما هو عليه من صفات ذاته وأفعاله، أو ما يقوم مقام المعرفة من الإيمان والتصديق، على القول بأن أول الواجبات الإيمان بالله تعالى؛ لأن المعرفة بوجوب الواجبات وحظر المحظورات مع الجهل بموجبها والجحد له من المستحيل في العقل، فلا يعلم الله تعالى إلا بالنظر في الأدلة التي نصبها لمعرفته والاستدلال بها عليه. ولا يصح النظر والاستدلال إلا ممن له عقل ينظر به ويستدل. وقد جعل الله ﵎ لمن أراد تكليفه من عباده عقولا يعرفونه بها بما نصب لهم من الأدلة على معرفته، ويعقلون بها ما خاطبهم به وشرعه لهم في كتابه وعلى ألسنة
1 / 11