علم التصريف والحاجة إليه:
وهذا القبيل من العلم -أعني التصريف- يحتاج إليه جميع أهل العربية١ أتم حاجة، وبهم إليه أشد فاقة؛ لأنه ميزان العربية، وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها، ولا يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به، وقد يؤخذ جزء من اللغة كبير بالقياس، ولا يوصل إلى ذلك إلا من طريق التصريف؛ وذلك نحو قولهم: إن المضارع من فَعُل لا يجيء إلا على يَفْعُل بضم العين، ألا ترى أنك لو سمعت إنسانا يقول: كرُم يكرَم بفتح الراء من المضارع، لقضيت بأنه تارك لكلام العرب، سمعتهم يقولون: يكرم أو لم تسمعهم؛ لأنك إذا صح عندك أن العين مضمومة من الماضي قضيت بأنها مضمومة في المضارع أيضا قياسا على ما جاء. ولم تحتج إلى السماع في هذا ونحوه٢، وإن كان السماع أيضا مما يشهد بصحة٣ قياسك. ومن ذلك أيضا قولهم: إن المصدر من الماضي إذا كان على مثال أَفْعَلَ يكون مفعلا -بضم الميم وفتح العين- نحو: أدخلته مُدْخَلا، وأخرجته مُخْرَجا، ألا ترى أنك لو أردت المصدر من أكرمته على هذا الحد لقلت: مُكْرَما قياسا، ولم تحتج فيه إلى السماع، وكذلك قولهم: كل اسم كانت في أوله ميم زائدة مما يُنقَل ويُعمَل به فهو مكسور الأول، نحو مِطْرَقة ومِرْوَحة، إلا ما استُثني٤ من ذلك. فهذا لا يعرفه إلا من يعلم أن الميم زائدة، ولا يعلم ذلك إلا من طريق التصريف، فهذا ونحوه مما يستدرك من اللغة بالقياس.
_________
١ ظ، ش: اللغة، وهامشهما: الأدب.
٢ ظ: أو نحوه.
٣ ص: لصحة.
٤ ص: أستثني له، وظ: أستثني به وفوق به: نسخة، وما أثبتناه عن ش.
1 / 2