وتحقق التنافى في القلب على زعمه اورد للقلب مثالا يتنافى فيه الوصفان بخلاف قصر الصفة فان فيه مثالا واحدا يصلح لهما، ولما كان كل ما يصلح مثالا لهما يصلح مثالا لقصر التعيين لم يتعرض لذكره ، وهكذا في سائر الطرق. (ومنها النفى والاستثناء كقولك في قصره) افرادا (ما زيد الاشاعر) قلبا (وما زيد الا قائم وفى قصرها) افرادا وقلبا (ما شاعر الا زيد) والكل يصلح مثالا للتعيين والتفاوت انما هو بحسب اعتقاد المخاطب. (ومنها انما كقولك في قصره) افرادا (انما زيد كاتب) قلبا (وانما زيد قائم وفى قصرها) افرادا وقلبا (انما قائم زيد). وفى دلائل الاعجاز ان انما ولاء العاطفة انما يستعملان في الكلام المعتد به لقصر القلب دون الافراد. واشار إلى سبب افادة انما القصر بقوله (لتضمنه معنى ما والا) واشار بلفظ التضمن إلى انه ليس بمعنى ما والا حتى كأنهما لفظان مترادفان إذ فرق بين ان يكون في الشئ معنى الشئ. وبين ان يكون الشئ الشئ، على الاطلاق فليس كل كلام يصلح فيه ما والا يصلح فيه انما صرح بذلك الشيخ في دلائل الاعجاز، ولما اختلفوا في افادة انما القصر وفى تضمنه معنى ما والا بينه بثلثة اوجه فقال (لقول المفسرين انما حرم عليكم الميتة بالنصب معناه ما حرم الله عليك الا الميتة و) هذا المعنى (هو المطابق لقرائة الرفع) أي رفع الميتة، وتقرير هذا الكلام ان في الاية ثلث قرائات حرم مبنيا للفاعل مع نصب الميتة ورفعها وحرم مبنيا للمفعول مع رفع الميتة كذا في تفسير الكواشى، فعلى القرائة الاولى ما في انما كافة إذ لو كانت موصولة لبقى ان بلا خبر والموصول بلا عائد وعلى الثانية موصولة لتكون الميتة خبرا إذ لا يصح ارتفاعها بحرم المبنى للفاعل على ما لا يخفى. والمعنى ان الذى حرمه الله تعالى عليكم هو الميتة وهذا يفيد القصر (لما مر) في تعريف المسند من ان نحو المنطلق زيد وزيد المنطلق يفيد قصر الانطلاق على زيد. فإذا كان انما متضمنا معنى ما والا وكان معنى القرائة الاولى ما حرم الله عليكم الا الميتة كانت مطابقة للقرائة الثانية والا لم تكن مطابقة لها لافادتها القصر، فمراد السكاكى والمصنف بقرائة النصب والرفع هو القرائة الاولى والثانية في المبنى للفاعل ولهذا لم يتعرضا للاختلاف في لفظ حرم بل في لفظ الميتة رفعا ونصبا. واما على القرائة الثالثة اعني رفع الميتة وحرم مبنيا للمفعول فيحتمل ان يكون ما كافة أي ما حرم عليكم الا الميتة وان يكون موصولة أي ان الذى حرم عليكم وهو الميتة ويرجح هذا ببقاء ان عاملة على ما هو اصلها. وبعضهم توهم ان مراد السكاكى والمصنف بقرائة الرفع هذه القرائة الثالثة فطالبهما بالسبب في اختيار كونها موصولة مع ان الزجاج اختار انها كافة. (ولقول النحاة انما لا ثبات ما يذكر بعده ونفى ما سواه) أي سوى ما يذكر بعده اما في قصر الموصوف نحو انما زيد قائم فهو لاثبات قيام زيد ونفى ما سواه من القعود ونحوه واما في قصر الصفة نحو انما يقوم زيد فهو لاثبات قيامه ونفى ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما (ولصحة انفصال الضمير معه) أي معه انما نحو انما يقوم انا فان الانفصال انما يجوز عند تعذر الاتصال ولا تعذر ههنا الا بان يكون المعنى ما يقوم الا انا فيقع بين الضمير وعامله فصل لغرض ثم استشهد على صحة هذا الانفصال ببيت من هو ممن يستشهد بشعره. ولهذا صرح باسمه فقال (قال الفرزدق انا الذائد)، من الذود وهو الطرد (الحامى الذمار) أي العهد. وفى الاساس هو الحامى الذمار إذا حمى ما لو لم يحمه ليم وعنف من حماه وحريمه (وانما يدافع عن احسابهم انا أو مثلى،) لما كان غرضه ان يخص المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير واخره إذ لو قال وانما ادافع عن احسابهم لصار المعنى انه يدافع عن احسابهم لا عن احساب غيرهم وهو ليس بمقصوده. ولا يجوز ان يقال انه محمول على الضرورة لانه كان يصح ان يقال انما ادافع عن احسابهم انا على ان يكون انا تأكيدا وليست ما موصولة اسم ان وانا خبرها إذ لا ضرورة في العدول عن لفظ من إلى لفظ ما (ومنها التقديم) أي تقديم ما حقه التأخير كتقديم الخبر على المبتدأ أو المعمولات على الفعل (كقولك في قصره) أي قصر الموصوف (تميمي انا) كان الانسب ذكر المثالين لان التميمية والقيسية ان تنافيا لم يصلح هذا مثالا لقصر الافراد والا لم يصلح لقصر القلب بل للافراد (وفى قصرها انا كفيت مهمتك) افرادا وقلبا أو تعيينا بحسب اعتقاد المخاطب. (وهذه الطرق الاربعة) بعد اشتراكها في افادة القصر (تختلف من وجوه فدلالة الرابع) أي التقديم (بالفحوى) أي بمفهوم الكلام بمعنى انه إذا تأمل صاحب الذوق السليم فيه فهم منمه القصر وان لم يعرف اصطلاح البلغاء في ذلك (و) دلالة الثلثة (الباقية بالوضع) لان الواضع وضعها لمعان تفيد القصر. (والاصل) أي الوجه الثاني من وجوه الاختلاف ان الاصل (في الاول) أي في طريق العطف (النص على المثبت والمنفى كما مر فلا يترك) النص عليهما (الا لكراهة الاطناب كما إذا قيل زيد يعلم النحو الصرف والعروض أو زيد يعلم النحو وعمرو وبكر فتقول فيهما) أي في هذين المقامين (زيد يعلم النحو لا غير) واما في الاول فمعناه لاغير زيد أي لا عمرو ولا بكر وحذف المضاف إليه من غير وبنى هو على الضم تشبيها بالغايات، وذكر بعض النحاة ان لا في لا غير ليست عاطفة بل لنفى الجنس (أو نحوه) أي نحو لا غير مثل لا ما سواه ولا من عداه وما اشبه ذلك. (و) الاصل (في) الثلاثة (الباقية النص على المثبت فقط) دون المنفى وهو ظاهر (والنفى) أي وجه الثالث من وجوه الاختلاف ان النفى بلاء العاطفة (لا يجامع الثاني) اعني النفى والاستثناء فلا يصح ما زيد الا قائم لا قاعد، وقد يقع مثل ذلك في كلام المصنفين لا في كلام البلغاء (لان شرط المنفى بلاء العاطفة ان لا يكون) ذلك المنفى (منفيا قبلها بغيرها) من ادوات النفى لانها موضوعة لان تنفى بها ما اوجبته للمتبوع لا لان تعيد بها النفى في شئ قد نفيته وهذا الشرط مفقود في النفى والاستثناء. لانك إذا قلت ما زيد الا قائم فقد نفيت عنه كل صفة وقع فيها التنازع حتى كانك قلت ليس هو بقاعد ولا نائم ولا مضطجع ونحو ذلك، فإذا قلت لا قاعد فقد نفيت عنه بلاء العاطفة شيءا هو منفى قبلها بماء النافية وكذا الكلام في ما يقوم الا زيد وقوله بغيرها يعنى من ادوات النفى على ما صرح به في المفتاح. وفائدته الاحتراز عما إذا كان منفيا بفحوى الكلام أو علم المتكلم أو السامع ونحو ذلك كما سيجئ في بحث انما، لا يقال هذا يقتضى جواز ان يكون منفيا قبلها بلاء العاطفة الاخرى نحو جاءني الرجال لا النساء لا هند لانا نقول الضمير لذلك المشخص أي بغير لاء العاطفة التى نفى بها ذلك المنفى ومعلوم انه يمتنع نفيه قبلها بها لامتناع ان ينفى شئ بلاء قبل الاتيان بها وهذا كما يقال دأب الرجل الكريم ان لا يؤذى غيره فان المفهوم منه ان لا يؤذى غيره سواء كان ذلك الغير كريما أو غير كريم. (ويجامع) أي النفى بلاء العاطفة (الاخيرين) أي انما والتقديم (فيقال انما انا تميمي لا قيسى وهو يأتيني لاعمرو ولان النفى فيهما) أي في الاخيرين (غير مصرح به) كما في النفى والاستثناء فلا يكون المنفى (بلاء العاطفة منفيا بغيرها من ادوات النفى وهذا كما يقال امتنع زيد عن المجى ء لا عمرو) فانه يدل على نفى المجئ عن زيد لكن لا صريحا بل ضمنا وانما معناه الصريح هو ايجاب امتناع المجئ عن زيد فيكون لا نفيا لذلك لايجاب. والتشبيه بقوله امتنع زيد عن المجئ لاعمرو من جهة ان النفى الضمنى ليس في حكم النفى الصريح لا من جهة ان المنفى بلاء العاطفة منفى قبلها بالنفى الضمنى كما في انما انا تميمي لا قيسى إذ لا دلالة لقولنا امتنع زيد عن المجئ على نفى امتناع مجئ عمرو لا ضمنا ولا صريحا. قال (السكاكى شرط مجامعته) أي مجامعة النفى بلاء العاطفة (الثالث) أي انما (ان لا يكون الوصف في نفسه مختصا بالموصوف) لتحصل الفائدة (نحو انما يستجيب الذين يسمعون) فانه يمتنع ان يقال لا الذين لا الذين لا يسمعون لان الاستجابة لا تكون الا ممن يسمع ويعقل بخلاف انما يقوم زيد لا عمرو إذ القيام ليس مما يختص بزيد. وقال الشيخ (عبد القاهر لا تحسن) مجامعة الثالث (في) الوصف (المختص كما تحسن في غيره وهذا اقرب) إلى الصواب إذ لا دليل على الامتناع عند قصد زيادة التحقيق والتأكيد (واصل الثاني) أي الوجه الرابع من وجوه الاختلاف ان اصل النفى والاستثناء (ان يكون ما استعمل له) أي الحكم الذى استعمل فيه النفى والاستثناء (مما يجهله المخاطب وينكره بخلاف الثالث) أي انما فان اصله ان يكون الحكم المستعمل هو فيه مما يعلمه المخاطب ولا ينكره كذا في الايضاح نقلا عن دلائل الاعجاز. وفيه بحث لان المخاطب إذا كان عالما بالحكم ولم يكن حكمه مشوبا بخطاء لم يصح القصر بل لا يفيد الكلام سوى لازم الحكم وجوابه ان مراده ان انما يكون لخبر من شأنه ان لا يجهله المخاطب ولا ينكره حتى ان انكاره يزول بادنى تنبيه لعدم اصراره عليه وعلى هذا يكون موافقا لما في المفتاح (كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحا من بعيد ما هو الازيد إذا اعتقده غيره) أي إذا اعتقد صاحبك ذلك الشبح غير زيد (مصرا) على هذا الاعتقاد (وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له) أي لذلك المعلوم. (الثاني) أي النفى والاستثناء (افرادا) أي حال كونه قصر افراد (نحو وما محمد الا رسول صلى الله عليه وآله أي مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرى من الهلاك) فالمخاطبون وهم الصحابة رضى الله عنهم كانوا عالمين بكونه مقصورا على الرسالة غير جامع بين الرسالة والتبرى من الهلاك لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه امرا عظيما (نزل استعظامهم هلاكه منزلة انكارهم اياه) أي الهلاك فاستعمل له النفى والاستثناء واعتبار المناسب هنا هو الاشعار بعظم هذا الامر في نفوسهم وشدة حرصهم على بقائه عليه الصلاة والسلام عندهم.
Sayfa 124