... ونحن الآن مبتدئون سؤالنا عن أهل الدهر، وناقضون عليهم في كل ما ذهبوا إليه، ولا قوة إلا بالله.
... اعلم _أيدك_ الله أن الدهرية جميعا متفقون على قدم العالم، وإبطال حدوثه، واختلافهم بعد ذلك في وجوه تصرف العالم في ذاته على ما سنذكره إن شاء الله.
... يقال لهم جميعا: ما الذي دعاكم إلى القول بقدم العالم؟ قالوا: لأنا وجدناه من حين ما وجدناه هكذا، متصلا بعضه ببعض، ليس لاتصاله أول، فقضينا بما شاهدنا من ذلك على ما كان قبله مما لم نشاهده، لصحة الاستدلال بالشاهد على الغائب، وبالبعض على الكل، ويقال لهم: أو قد شاهدتم هذا العالم أو شيئا منه، قديما لم يحدث؟ فإن قالوا: نعم بان كذبهم؛ لأنهم لم يكونوا قدماء فيكونوا مشاهدين لقدم ما ادعوا قدمه من ذلك، مع أنه لو شوهد ذلك بالعيان كما قالوا لما اختلف فيه اثنان، فإن رجعوا وقالوا: لما شاهدناه متصلا لا غاية لاتصاله، قضينا بذلك على أن لا غاية له. قيل لهم: وما في اتصال بعضه ببعض ما يفسد حدوثه، ونحن إنما سألناكم عن الدليل (¬1)
¬__________
(¬1) - الدليل: المرشد إلى المطلوب يذكر ويراد به الدال، ثم اسم الدليل يقع على كل ما يعرف به المدلول، حسيا كان أو شرعيا أو قطعيا، حتى سمي الحس، والعقل، والنص، والقياس، وخبر الواحد، وظواهر النصوص كلها أدلة.
والدليل عند الأصولي: هو ما يمكن التوصل به بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.
ودلائل الشرع خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. والعقليات المحضة كالتلازم والتفاني والدوران، والثلاثة الأول نقلية، والباقيان عقليان.
ولا يخلو الدليل من أن يكون على طريق الانتقال من الكلي إلى الكلي، فيسمى برهانا، أو من الكلي إلى البعض فيسمى استقراء، أو من البعض إلى البعض فيسمى تمثيلا. راجع التعريفات للجرجاني ص93.
Sayfa 19