فإن قال: وما يدريكم بأن محدث هذه الأشياء غير مشبه لها؟ لعله مشبه لهذه الأشياء أو مشبه لبعضها، قيل له: لا يخلو المحدث للأشياء من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون مشبها لها أو غير مشبه لها، وبطل القول بأنه يشبهها من قبل أنه لو أشبهها للزمه من الحدوث ما لزمها، ونحن قد دللنا فيما قبل على حدوثها، ولو لزمه من الحدوث ما لزمها لكان هو أيضا محتاجا إلى محدث ثان يحدثه، ولكان ذلك المحدث الثاني محتاجا هو أيضا إلى محدث ثالث، والقول في الثالث كالقول في الثاني، والقول في الرابع كالقول في الثالث، فيكون الأمر متسلسلا إلى ما لا نهاية له من الفساد، فلما فسد القول بهذا ثبت أن محدث الأشياء غير مشبه لها، ولا مشبه لبعضها في وجه من وجوه الإشباه؛ وذلك أن هذه الأشياء دالة بجميع وجوهها على عجزها وحاجتها وحدوثها، فلو كان الذي أحدثها مشبها لها، أو مشبها لشيء منها بوجه من هذه الوجوه للزمه مما ذكرنا ما لزم ذلك الشيء، يتعالى عن ذلك رب العالمين.
انتهى الكلام في حدوث الأشياء، والدلالة على بطلان قدمها، وإثبات المحدث أنه واحد، وأنه غير مشبه للأشياء، بما هو مقنع إن شاء الله، والله ولي التوفيق.
النقض على الدهرية (¬1) :
¬__________
(¬1) - الدهرية: هم فرقة خالفت ملة الإسلام، وادعت قدم الدهر، وأسندت الحوادث إليه، كما حد القرآن الكريم عنهم {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} (سورة الجاثية:24). وذهبوا أيضا إلى ترك العبادات لزعمهم أنها لا تفيد.
والدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو عليه، فما ثم إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وسماء تقلع، وسحاب يقشع، وهواء يقمع، ويسمون بالملاحدة. ويمكن رد أصل الدهرية إلى مدارس الفلسفة الإغريقية. ويفرق الإمام الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال" بين الدهرية والطبيعيين.
وتقول دائرة المعارف الإسلامية: تقدم علماء المشرق تقدما كبيرا نحو الدهرية عندما تغلغل بينهم العلم الطبيعي الأوروبي كمذهب "داروين" ومذهب المادية، وغير ذلك، وقد رد على الدهرية (جمال الدين الأفغاني) في رسالته بعنوان (رسالة في إبطال مذهب الدهريين)، ويتضح من ذلك إذن أن المادية مرادفة للدهرية، ويجيز فقهاء اللغة أيضا النطق بكلمة (الدهرية) بضم الدال عملا بقاعدة تغير الحركة، وهو أمر مألوف في النسبة.
راجع:
1 دائرة المعارف للبستاني مجلد 8، مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان.
2 مفاتيح العلوم لطاش كبرى زادة، ط فان فلتن، ص 35.
3 الملل والنحل للشهرستاني.
4 الحيوان للجاحظ ج2 ص50.
5 دائرة المعارف الإسلامية بتصرف ج9 ص338، 339، 340.
Sayfa 18