قال ابن الجزرى، فى آخر كلامه: وربما كانوا يدخلون التفسير فى القراءات إيضاحا وبيانا؛ لأنهم محققون لما تلقوه عن النبى ﷺ قرآنا، فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه، وأما من يقول: إن بعض الصحابة كان يجيز القراءة بالمعنى، فقد كذب.
تنبيهات:
الأول: لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا فى أصله وأجزائه وأما فى محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققى أهل السنة للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله؛ لأن هذا القرآن العظيم الذى هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم مما تتوافر الدواعى على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحادا ولم يتواتر يقطع بأنه ليس من القرآن قطعا.
وذهب كثير من الأصوليين إلى أن التواتر شرط فى ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله وليس بشرط فى محله ووضعه وترتيبه بل يكثر فيها نقل الآحاد، وهو الذى يقتضيه صنع الشافعى فى إثبات البسملة من كل سورة، ورد هذا المذهب بأن الدليل السابق يقتضى التواتر فى الجميع، ولأنه لو لم يشترط التواتر لجاز سقوط كثير من القرآن المكرر، وثبوت كثير مما ليس بقرآن.
أما الأول، فلأنا لو لم نشترط التواتر فى المحل جاز أن لا يتواتر كثير مما ليس بقرآن. وأما الثانى، فلأنه إذا تواتر بعض القرآن بحسب المحل، جاز إثبات ذلك البعض فى الموضع بنقل الآحاد.
وقال القاضى أبو بكر فى الانتصار: ذهب قوم من الفقهاء والمتكلمين إلى إثبات قرآن، حكما لا علما، بخبر الواحد، وكره ذلك أهل الحق وامتنعوا منه.
وقال قوم من المتكلمين: إنه يسوغ إعمال الرأى والاجتهاد فى إثبات قراءة وأوجه وأحرف إذا كانت تلك الأوجه صوابا العربية، وإن لم يثبت أن النبى ﷺ قرأ بها، وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه وخطؤؤا من قال به، انتهى.
وقد بنى المالكية وغيرهم ممن قال بإنكار البسملة قولهم على الأصل وقرروه بأنها لم تتواتر فى أوائل السور، وما لم يتواتر فليس بقرآن، وأجيب من قبلنا بمنع كونها لم تتواتر فرب متواتر عند قوم دون آخرين، وفى وقت دون آخر، ويكفى فى تواترها إثباتها فى مصاحف الصحابة فمن بعدهم بخط المصحف مع منعهم أن يكتب فى المصحف ما ليس منه كأسماء السور، وآمين، والأعشار، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها، لأن ذلك يحمل على اعتقادها قرآنا، فيكونوا مغررين بالمسلمين، حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، وهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة.
فإن قيل لعلها أثبتت للفصل بين السور أجيب بأن هذا فيه تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد
1 / 27