الجزء الاول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الراغب الأصفهاني وكتابه «محاضرات الأدباء»
بقلم: الدكتور عمّر الطبّاع تعدّدت ينابيع عرفانه، وتنوّعت مناهل علومه وموارد آدابه، وتشعّبت مذاقاته الفكريّة، حتّى شملت جملة ثقافات عصره الأصيلة والدخيلة، فكان طويل الباع في آداب العربية- لغة وبيانا ورواية وقصصا وشعرا ومثلا- كما كان عميق الاطلاع في المعارف الدينيّة الإسلامية- حديثا وفقها وعقيدة وتفسيرا-.
ولئن توزّعت ملكاته بين هذين الاتجاهين الرئيسين من اتجاهات التراث فقد كان مشدودا إلى جداول شتّى من ثقافات اليونان والهند وفارس، والتي كانت قد تآلفت بأسباب التمازج الحضاري والتفاعل البيئي، وبفضل النّقلة وحركة النقل الواسعة، لتناسب بقوّة وزخم في خضم نهر المعارف العربية الدافق والذي كان يتّسع ويمتد ويعمق غوره، وتصطخب أثباجه ولججه، منذ مشارف دولة العبّاسيين على اختلاف أعصرها، وتعدّد أصقاعها، حتّى زمن السلاجقة وحملة الصليبيين، بين بدايات القرن الخامس ونهايات القرن السابع الهجريين.
ذاك هو العلّامة الفذّ الباحث والمؤلف والمصنّف المعروف ب «الراغب الأصفهانيّ» .
هو الحسين بن محمّد بن المفضّل، باتفاق جلّ المؤرخين، أو الفضل في بعض النّصوص والروايات.
وذهب السيوطي إلى أن اسمه هو الفضل بن محمّد. وقد اشتهر بلقبه الراغب الأصفهانيّ في المصادر والمراجع القليلة التي عنيت بأخباره وآثاره، كما كنّي بأبي القاسم.
ولعلّ السيوطي في «بغية الوعاة»، والذهبي في «طبقات المفسّرين»، في القديم، وبروكلمن في «دائرة المعارف الإسلامية» وجرجي زيدان في «تاريخ آداب اللغة العربية» حديثا، هم الذين ألقوا الضوء على شخصية الراغب ونتاجه مما دفعنا إلى التساؤل عن أسباب إغفال سيرته ودرسه من قبل مؤرخين مرموقين كبار، من أمثال ياقوت وابن العماد
1 / 5