İlk Akıl Macerası: Mitoloji Üzerine Bir Çalışma: Suriye ve Mezopotamya
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
Türler
17
دراسة عميقة للأسطورة، منطلقا أيضا من فكرة فرويد عن العلاقة بين الأسطورة والحلم، مع مخالفته في النظر للأسطورة والحلم على أنهما نتاج العالم اللاعقلاني؛ فالعقل في حالة الحلم إنما يعمل ويفكر، ولكن بطريقة أخرى ولغة أخرى؛ فعندما ندخل ملكوت النوم نتحرر من عبء العمل ومشاغل الحياة اليومية وقلق الصحو، وندلف إلى عالمنا الداخلي بعيدا عن قواعد الواقع، فتغدو ال «أنا» بؤرة تفكيرنا. فإذا كان الصحو دعوة للعمل والفعل، فإن النوم دعوة لتأمل من نوع خاص يستخدم لغة خاصة هي لغة الرمز. النوم انفلات من هم التحكم بعالم المادة وتفرغ للذات، يجعلنا أكثر شفافية وحساسية، فتغدو معرفتنا بأنفسنا أكثر وضوحا وصدقا وحكمة. فحالة السبات هي القطب الثاني لوجودنا في مقابل حالة اليقظة، وليست كما زمنيا معطلا يعطينا الراحة لبدء يوم جديد.
ولغة الرموز هي اللغة التي تنطق عن الخبرات والمشاعر والأفكار الباطنة، كما تنطق لغتنا المحكية عن خبرات الواقع، مع فارق هام يكمن في شمولية لغة الرمز وعالميتها، وتجاوزها لفوارق الزمن والثقافة والجنس. والأسطورة، كما الحلم، تكمن أهميتها في تقديمها حكايا تشرح بلغة الرمز، حشدا من الأفكار الدينية والفلسفية والأخلاقية. وما علينا إلا أن نفهم مفردات تلك اللغة لينفتح أمامنا عالم مليء بمعارف غنية ثرة. (10) الأسطورة، مغامرة العقل الأولى
بعد هذا الاستعراض السريع نود أن نوضح رؤيتنا الخاصة للأسطورة، والتي تشكل أرضية هذا الكتاب، في عجالة بلا إطالة؛ فهدفنا دراسة الأسطورة لا التنظير لها.
عندما انتصب الإنسان على قائمتين رفع رأسه إلى السماء ورأى نجومها وحركة كواكبها، وأدار رأسه فيما حوله فرأى الأرض وتضاريسها ونباتها وحيوانها. أرعبته الصواعق، وخلبت لبه الرعود والبروق. داهمته الأعاصير والزلازل والبراكين، ولاحقته الضواري. رأى الموت وعاين الحياة. حيرته الأحلام ولم يميزها تماما عن الواقع. ألغاز في الخارج وأخرى في داخله. غموض يحيط به أينما توجه وكيفما أسند رأسه للنوم. تعلم استخدام اليدين وصنع الأدوات، وفي لحظات الأمن وزوال الخوف، كان لدى الطفل متسع للتأمل في ذلك كله. لماذا نعيش؟ ولماذا نموت؟ لماذا خلق الكون وكيف؟ من أين تأتي الأمراض؟ إلى آخر ما هنالك من أسئلة طرحت نفسها عليه، كما تطرح نفسها على طفل العصر الحديث. كان العقل صفحة بيضاء لم ينقش عليها شيء، عضلة لم تألف الحركة خارج نطاق الغريزة، وبعد حدود رد الفعل. ومن أداته المتواضعة هذه، كان عليه أن يبدأ مغامرة كبرى مع الكون، وقفزة أولى نحو المعرفة، فكانت الأسطورة. وعندما يئس الإنسان تماما من السحر، كانت الأسطورة كل شيء له. كانت تأملاته وحكمته، منطقه وأسلوبه في المعرفة، أداته الأسبق في التفسير والتعليل، أدبه وشعره وفنه، شرعته وعرفه وقانونه، انعكاسا خارجيا لحقائقه النفسية الداخلية. فالأسطورة نظام فكري متكامل، استوعب قلق الإنسان الوجودي، وتوقه الأبدي لكشف الغوامض التي يطرحها محيطه، والأحاجي التي يتحداه بها التنظيم الكوني المحكم الذي يتحرك ضمنه. إنها إيجاد النظام حيث لا نظام، وطرح الجواب على ملحاح السؤال، ورسم لوحة متكاملة للوجود؛ لنجد مكاننا فيه ودورنا في إيقاعات الطبيعة. إنها الأداة التي تزودنا بمرشد ودليل في الحياة، ومعيار أخلاقي في السلوك. إنها مجمع الحياة الفكرية والروحية للإنسان القديم.
والأسطورة حكاية، حكاية مقدسة، يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة. أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة، بل وقائع حصلت في الأزمنة الأولى المقدسة. إنها سجل أفعال الآلهة، تلك الأفعال التي أخرجت الكون من لجة العماء، ووطدت نظام كل شيء قائم، ووضعت صيغة أولى لكل الأمور الجارية في عالم البشر. فهي معتقد راسخ، الكفر به فقدان الفرد لكل القيم التي تشده إلى جماعته وثقافته، وفقدان المعنى في هذه الحياة.
والأسطورة حكاية مقدسة تقليدية؛ بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى جيل، بالرواية الشفهية، مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها، وتنقلها للأجيال المتعاقبة، وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. فهي الأداة الأقوى في التثقيف والتطبيع والقناة التي ترسخ من خلالها ثقافة ما وجودها واستمرارها عبر الأجيال. وحتى في فترات شيوع الكتابة لم تفقد الأسطورة الشفهية قوتها وتأثيرها؛ ذلك أن الألواح الفخارية كانت محفوظة في المعابد وفي مكتبات الملوك، ولا تلعب إلا دور الحافظ للأسطورة من التحريف بالتناقل. وبقي السمع هو الوسيلة الرئيسية في تداولها. وفي أكثر من مناسبة دورية كانت الأساطير تتلى أو تنشد في الاحتفالات الدينية العامة، من ذلك مثلا أعياد رأس السنة في بابل، حيث كانت تتلى وتمثل أسطورة التكوين البابلية، وأعياد الربيع حيث كانت تتلى وتمثل عذابات الإله تموز.
والأسطورة نص أدبي، وضع في أبهى حلة فنية ممكنة، وأقوى صيغة مؤثرة في النفوس، وهذا مما زاد في سيطرتها وتأثيرها. وكان على الأدب والشعر أن ينتظرا فترة طويلة قبل أن ينفصلا عن الأسطورة. لقد وضعت معظم الأساطير السورية والسومرية والبابلية في أجمل شكل شعري ممكن. وقام هوميروس بصياغة معظم أساطير عصره المتداولة، شعرا في الأوديسة والإلياذة. وإلى جانب الشعر والأدب، خلقت الأسطورة فنونا أخرى كالمسرح، الذي ابتدأ عهده بتمثيل الأساطير الرئيسية في الأعياد الدينية. كما دفعت فنونا أخرى كالغناء والموسيقى وغيرهما.
هذا ويمتزج تعبير الأسطورة في أذهان الكثيرين بتعبير «الخرافة » و«الحكاية الشعبية»، رغم البعد الشاسع بين هذه النتاجات الفكرية الثلاثة؛ فالخرافة حكاية بطولية ملأى بالمبالغات والخوارق، إلا أن أبطالها الرئيسيين هم من البشر أو الجن، ولا دور للآلهة فيها. ففي حديث نبوي
18
Bilinmeyen sayfa