İlk Akıl Macerası: Mitoloji Üzerine Bir Çalışma: Suriye ve Mezopotamya
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
Türler
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
تقديم للطبعة السابعة
عشرون عاما على «المغامرة»
فاتحة
سفر البداية
1 - التكوين السومري
2 - التكوين البابلي
3 - التكوين الكنعاني
4 - التكوين التوراتي
5 - ألواح التكوين السبعة وأيام التكوين السبعة
Bilinmeyen sayfa
سفر الطوفان
1 - الطوفان السومري
2 - الطوفان البابلي
3 - الطوفان التوراتي
4 - أساطير الدمار الشامل
سفر التنين
1 - التنين السومري
2 - التنين البابلي
3 - التنين التوراتي
سفر الفردوس المفقود
Bilinmeyen sayfa
1 - الجنة السومرية
2 - الجنة البابلية
3 - الجنة التوراتية
سفر قابيل وهابيل
1 - ثلاثة نصوص سومرية
2 - قايين وهابيل
سفر العالم الأسفل
1 - الجحيم السومري
2 - الجحيم البابلي
3 - الجحيم التوراتي
Bilinmeyen sayfa
سفر الإله الميت
1 - هبوط إنانا إلى العالم الأسفل
2 - هبوط عشتار إلى العالم الأسفل
3 - هبوط بعل إلى العالم الأسفل
4 - هجرة الإله الميت
5 - الإله المخلص
6 - السيد المسيح «آخر المخلصين»
تعريف بأهم الآلهة
مراجع الكتاب
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
Bilinmeyen sayfa
تقديم للطبعة السابعة
عشرون عاما على «المغامرة»
فاتحة
سفر البداية
1 - التكوين السومري
2 - التكوين البابلي
3 - التكوين الكنعاني
4 - التكوين التوراتي
5 - ألواح التكوين السبعة وأيام التكوين السبعة
سفر الطوفان
Bilinmeyen sayfa
1 - الطوفان السومري
2 - الطوفان البابلي
3 - الطوفان التوراتي
4 - أساطير الدمار الشامل
سفر التنين
1 - التنين السومري
2 - التنين البابلي
3 - التنين التوراتي
سفر الفردوس المفقود
1 - الجنة السومرية
Bilinmeyen sayfa
2 - الجنة البابلية
3 - الجنة التوراتية
سفر قابيل وهابيل
1 - ثلاثة نصوص سومرية
2 - قايين وهابيل
سفر العالم الأسفل
1 - الجحيم السومري
2 - الجحيم البابلي
3 - الجحيم التوراتي
سفر الإله الميت
Bilinmeyen sayfa
1 - هبوط إنانا إلى العالم الأسفل
2 - هبوط عشتار إلى العالم الأسفل
3 - هبوط بعل إلى العالم الأسفل
4 - هجرة الإله الميت
5 - الإله المخلص
6 - السيد المسيح «آخر المخلصين»
تعريف بأهم الآلهة
مراجع الكتاب
مغامرة العقل الأولى
مغامرة العقل الأولى
Bilinmeyen sayfa
دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
تأليف
فراس السواح
الكتب الإلكترونية، هبة العصر
في عام 1970م بدأت الأفكار العامة لكتابي الأول «مغامرة العقل الأولى» تتشكل في ذهني،
وعندما بذلت المحاولات الأولى لكتابتها، شعرت بحاجة إلى مراجع أكثر من المراجع القليلة التي في حوزتي،
فرحت أبحث في منافذ بيع الكتب، وفي المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة السورية، وفي مكتبة جامعة
دمشق؛ عن مراجع باللغة الإنجليزية فلم أجد ضالتي، فتأكدت لي استحالة إتمام المشروع وتوقفت عن
الكتابة.
وفي عام 1971م قمت برحلة طويلة إلى أوروبا والولايات المتحدة دامت ستة أشهر، رحت
Bilinmeyen sayfa
خلالها أشتري ما يلزمني من مراجع وأشحنها بالبريد البحري إلى سوريا، وعندما عدت شرعت في الكتابة
وأنجزت الكتاب في نحو سنة ونصف. بعد ذلك رحت أستعين بأصدقائي المقيمين في الخارج لإمدادي بما
يلزمني من مراجع، وكانت مهمة شاقة وطويلة تستنفد المال والجهد، وكان عمل الباحث في تلك الأيام وفي
مثل تلك الظروف عملا بطوليا، إن لم يكن مهمة مستحيلة.
بعد ذلك ظهر الحاسوب الشخصي في أوائل الثمانينيات، ثم تأسست شبكة الإنترنت التي لعبت
دورا مهما في وضع الثقافة في متناول الجميع، ووفرت للباحثين ما يلزمهم من مراجع من خلال الكتب
الإلكترونية المجانية أو المدفوعة الثمن، فأزاحت هم تأمين المراجع عن الكاتب الذي يعيش في الدول النامية،
ووصلته بالثقافة العالمية من خلال كبسة زر على حاسوبه الشخصي.
لقد صار حاسوبي اليوم قطعة من يدي لا أقدر على الكتابة من دونه، مع إبقائي استخدام القلم
في الكتابة، لا برنامج الوورد. ولرد الجميل للإنترنت، أردت لطبعة الأعمال الكاملة لمؤلفاتي التي صدرت في
Bilinmeyen sayfa
20 مجلدا، أن توضع على الشبكة تحت تصرف عامة القراء والباحثين، واخترت «مؤسسة هنداوي» لحمل
هذه المهمة؛ لأنها مؤسسة رائدة في النشر الإلكتروني، سواء من جهة جودة الإخراج أو من حيث المواضيع
المتنوعة التي تثري الثقافة العربية.
جزيل الشكر ل «مؤسسة هنداوي»، وقراءة ممتعة أرجوها للجميع!
تقديم للطبعة السابعة
إنه إحساس غريب وجميل، ذاك الذي ينتاب المؤلف بعد أن يتصفح كتابه وقد خرج غضا طريا من رحم المطبعة البارد الصلب. إن كل كلمة من كلمات الكتاب وفكرة من فكره التي صارعها المؤلف وصارعته، وشذبها وشذبته خلال ليالي الأرق الطويلة، تنتمي له بالقدر نفسه الذي تنتمي فيه لنفسها وعالمها وحياتها ومنطقها الخاص.
فالكتاب كالوليد الجديد الذي ينتمي لأبويه بقدر ما يتمتع بذات منفصلة حقيقية؛ وجد مستقل، وحياة تنبض من نفسها ولنفسها. وكلما مرت الأيام ازداد الانفصال ترسخا والاستقلال توضحا وتمكنا. وكل عودة لتصفح الكتاب تؤكد للمؤلف هذه الحقيقة التي ليست بحال من الأحوال وهما أو إسقاطا؛ فبعد أن تتداول الأيدي الكتاب وتستطلعه العقول، يشتد عوده ويشب عن الطوق شاقا لنفسه طريقه الخاص، آخذا مكانه في ثقافة المجتمع وضمائر من قرأه وناقشه وحاجه، فقبل به أم ببعضه، أو عارضه فحرض فيه مواقف مغايرة وأفكارا جديدة، مخالفة. وعقب سنوات، إذا أقبل المؤلف على كتابه بعد طول انقطاع، لم يجد فيه أثرا لذلك الطفل الأثير المدلل، بل ذلك الكائن المكتفي الممتنع عن التغير والتبدل، الذي يحاوره محاورة الند للند.
هذا بالضبط ما حدث لي وأنا أقدم «مغامرة العقل الأولى» لطبعة سابعة.
لقد هممت به في محاولة لتعديل هنا، وإضافة هناك، ولكنه أبى وتمنع، وواجهني بمنطق داخلي متماسك، وبناء متراص لا تستطيع انتزاع حجر منه أو إضافة آخر، دون أن تحدث شرخا يهدد استقراره. فآثرت التراجع وإعطاءه الحق في حياة مستقلة يقرر القراء بأنفسهم مدى تجاوبها مع حياتهم ومسار تفكيرهم في دورة تداول سابعة.
أمر واحد فقط أود التعقيب عليه؛ فبسبب المواقف المسبقة التي يبحث أصحابها عن سند لاعتقادهم ودعم، كرسوا «مغامرة العقل الأولى» باعتباره كتابا في نقد الفكر الديني عموما، وكان هذا أبعد ما يكون عن أهداف الكتاب. لقد قلت في حوار مع إحدى المجلات العربية ما نصه: «لقد كان همي دوما البحث عن وحدة التجربة الروحية للإنسان عبر التاريخ، بصرف النظر عن مصدر الخبرة الدينية، وهل هي من أصل ما وراثي أم نتاج تجربة إنسانية وكدح روحي.» ففي موقفي بعض من تساؤل أحد المتصوفة الذي كان يناجي ربه قائلا: «من منا اقتحم الصومعة على صاحبه؟» أي: هل إن خبرة الإنسان الدينية هي حصيلة لإفصاح القدرة الإلهية عن مقاصدها، أم هي كدح من الإنسان لتلمس مقاصد القدرة الإلهية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال هي تجربة فردية محضة يعانيها كل في معزل، ولا أسمح لنفسي بالتطفل عليها بإعطاء إجابة ناجزة قد تعفي البعض من حرية الأرق لتضعهم في قيد طمأنينة مستعارة. ومن ناحية أخرى فإن نوع الإجابة لا يؤثر، في اعتقادي، على جوهر التجربة الدينية وعمقها ونتائجها لدى كل فرد. إن لقاء الإلهي بالإنساني قائم عبر تاريخ الإنسان الروحي، وذلك بصرف النظر عن «من اقتحم الصومعة على صاحبه».
Bilinmeyen sayfa
ربما كانت الديانات السماوية الباقية اليوم هي نتاج لإبانة القدرة الإلهية عن مقاصدها. ولكن، هل نسم بالزيف كل تجربة دينية لثقافة كدحت في التعرف على مقاصد القدرة الإلهية دون عون من وحي؟ إن أكثر الملتزمين بحرفية النصوص المقدسة لا يقدر على الإجابة بنعم مطمئنة عن هذا السؤال.
ولمزيد من الإيضاح أستنجد في هذا المجال بصديقي وصديق كل من قرأه، الكاتب اليوناني «كزانتزاكس»، الذي أورد في مذكراته المشهد النابض الذي أنقله فيما يأتي عن ترجمة الزميل ممدوح عدوان: «توقفنا بين خرائب القصر القديم قرب عمود مربع من الجص المصقول على قمته العلامة المقدسة منقوشة، الفأس ذات الحدين. ضم الأب كفيه وحنى ركبتيه لحظة، ثم حرك شفتيه وكأنه يصلي. استغربت وسألته: ماذا، أتصلي؟! فقال: طبعا يا صديقي الشاب. كل شعب وكل عصر يمنحه الله قناعه الخاص به، ولكن وراء الأقنعة كلها في كل عصر وفي كل عرق يبقى الله هو ذاته، الله الدائم الذي لا يتغير. إن لدينا الصليب شارة مقدسة لنا، وأجدادك الأقدمون في كريت كانت لهم الفأس ذات الحدين، لكنني أنحي جانبا هذه الرموز الفانية، وأتحسس الله وراء الصليب، ووراء الفأس ذات الحدين. أتحسسه وأنحني له احتراما.»
دمشق 1/ 1/ 1988م
عشرون عاما على «المغامرة»
تقديم للطبعة الحادية عشرة
إن تنفد طبعة كتاب ما من الأسواق خلال بضعة شهور فهو أمر معتاد في عالم الكتب، وأن يعاد طبعه بعد ذلك مرتين أو أكثر خلال عدة سنوات أمر معتاد أيضا. أما أن يعاد الكتاب عشرين سنة وتتداول الأجيال عشرا من طبعاته خلال هذه المدة، فأمر نادر الحدوث. وهذا الأمر النادر قد وقع لكتاب «مغامرة العقل الأولى» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1976م، وتخرج من المطبعة الآن طبعته الحادية عشرة ونحن في عام 1996م. بعد كل إصدار جديد كنت أقول لنفسي هو الأخير، ثم أفاجأ بالناشر بعد عام أو عامين يطلب الإذن لطبعة أخرى، فتحل النسخة الجديدة محل النسخ النافدة في واجهات المكتبات ، ويرفض الكتاب أن يترجل عن مكانه بين مئات الكتب التي تصعد وتهبط رفوف الباعة.
من الطبيعي أن يشعر المؤلف بالرضا عن نجاح كتابه، ولكن الرضا قد تحول عندي بعد مدة إلى عجب وحيرة؛ فلقد قيل عقب صدوره بأن «مغامرة العقل الأولى» قد سد فراغا في المكتبة العربية، وهذا سبب نجاحه. ولكن لماذا بقي حيا كل هذه السنين رغم موجة الكتب المؤلفة والمترجمة التي استثارها صدوره؟ وما هي الحاجة التي بقي الكتاب يسدها حتى الآن؟ أصدقكم القول لست أدري، وإن كان لدي بعض التخمينات.
بعد العجب والحيرة حل عندي في الآونة الأخيرة نوع من الحسد والغيرة. صرت أغار من ذلك الشاب الذي ابتدأ الإعداد «للمغامرة» وهو دون الثلاثين، عندما كان يتسكع مدهوشا بين رفوف وفهارس المكتبات الكبرى في بريطانيا وأمريكا، من مكتبة المتحف البريطاني إلى مكتبة المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو، ويسجل أفكاره المبدئية في مقاهي ساحة البيكاديللي بلندن، وعلى أرصفة وحشائش حدائق واشنطن العاصمة. كان يتصل بمن استطاع من المؤلفين الذين قرأهم وأحبهم، ولا يتردد في طرق باب شخصيات علمية لا تقل مكانة عن أرنولد توينبي الذي استقبله في داره بلندن، واستمع إليه بتواضع جم، وأجابه عن كل ما سأل. وفي الوقت نفسه كان يختلط بالطلبة المتمردين في شوارع واشنطن وحول البيت الأبيض والكابيتول وضفاف نهر البوتاماك، وهم آخر موجة من موجات ثورة الشباب التي انطلقت من باريس عام 1968م، وبقيت أصداؤها تتردد على الجانب الآخر من الأطلسي حتى مطلع السبعينيات بتأثير حرب الفيتنام. كان يحاورهم ويشاركهم المسيرات الصاخبة التي تندد بالحرب وتدعو لإيقافها، ويستمع إلى أحلامهم عن تغيير العالم وإحلال قيم جديدة في المجتمعات الغربية.
لهذا فقد جاء كتابه مزيجا من غضب الشارع ومن صمت المكتبات، من رائحة العرق ورائحة الورق. ربما لهذا أحبه الشباب أكثر من غيرهم، وربما لهذا بقيت الحاجة إليه قائمة بعد عشرين سنة من ظهوره.
ولكن لماذا الغيرة؟ لأن الكتاب كان نتاج مغامرتي المعرفية في بواكيرها الأولى، وهي المغامرة التي تعقدت في مؤلفاتي التالية واتسعت، ومعها تعقدت واتسعت مساحة السؤال. ومع ذلك فقد بقي الكتاب «المغامرة» في مقدمة إخوته، أشبه بالابن الأصغر المشاكس الذي يرفض المزاحمة. ربما لأن البعض لم يعد يتبين عندي ذلك المزيج الذي أحبه من الثورة والتأمل، أو لأن الثورة عندي لم تعد في وضوح التأمل، رغم أن موقفي من ضرورة الكتابة لم يتغير؛ فأنا أومن بأن الكتابة لا لزوم لها إن لم تنطلق من النقد المستمر لما نعرفه ونركن إليه، ومن المفارقة الدائمة للمألوف في مغامرة غير هيابة نحو المجهول، تدجن فينا الخوف من غير المألوف.
Bilinmeyen sayfa
وكما قلت في مقدمة الطبعة السابعة للكتاب فقد كسب «مغامرة العقل الأولى» المواجهة الحاسمة بيني وبينه، عندما أقبلت عليه في محاولة لإجراء بعض التعديلات وتقديم بعض الإضافات، ثم تراجعت. وكسب قارئ الكتاب الذي أراده كما هو خلال عشرين سنة.
فإلى القارئ أهدي هذه الطبعة الحادية عشرة وما يليها مع كل محبة وشكر وعرفان.
فراس السواح
مقدمة الطبعة الثانية والعشرين
رسالة مفتوحة إلى فراس السواح
بقلم رزق الله أيوب
وردتني هذه الرسالة على موقع مجلة «ألف» منذ سنوات، وقد وجدتها مناسبة لتكون مقدمة لهذه الطبعة يكتبها القراء. «من الطبيعي أن يشعر المؤلف بالرضا عن نجاح كتابه، لكن الرضا قد تحول عندي بعد مدة إلى عجب وحيرة؛ فلقد قيل عقب صدوره بأن «مغامرة العقل الأولى» قد سد فراغا في المكتبة العربية، وهذا سبب نجاحه. ولكن لماذا بقي حيا كل هذه السنين رغم موجة الكتب المؤلفة والمترجمة التي استثارها صدوره؟ وما هي الحاجة التي بقي الكتاب يسدها حتى الآن؟ أصدقكم القول لست أدري.» من مقدمة الباحث والمفكر السوري فراس السواح للطبعة الحادية عشرة لكتاب مغامرة العقل الأولى.
عندما ولدت مغامرتك الأولى يا سيدي لم أكن قد ولدت بعد. وعندما راودك هذا التساؤل كنت طفلا في الحضانة يلعب مع زملائه، ويحاول معهم فك ألغاز هذا الكون بعقله الضامر. لكن اليوم، لا أخفيك القول إنه راودني عين التساؤل الذي دار في ذاتك: ما الفراغ الذي سده هذا الكتاب في نفسي؟
يا سيدي ، إن كتابك قد سئم مني، أصبحت أرى الملل في عيون غلافه الذابلة، وكأن العقل الذي مد جناحيه استعدادا للمغامرة يحاول الآن الهرب من أحضاني. أصبحت أسمع عويل صفحاته وتوسلاتها، راجية الرحمة مني والراحة. ها أنا أكتب هذه الكلمات وقد انتهيت من قراءتي الرابعة عشرة لهذا الكتاب. هذا وقد حط بصري صدفة على مغامرتك في إحدى المكتبات منذ ما يقارب العام فقط. منذ تلك اللحظة أصبح فراس السواح بعيوني نبيا، كتبه أحاديث صحيحة، ومغامرته الأولى إنجيلا أعود له كلما تعطشت نفسي لملاقاة روحها.
ففي المرة الأولى التي خضت فيها المغامرة معك أصبت بالذهول. بدأت قراءة ذلك الكتاب عند منتصف الليل تقريبا، لكني لم أدعه حتى ظهر اليوم التالي بعد أن انتهيت من قراءة جميع أسفاره بنهم عظيم، وانتابني شعور بالضياع، لا يمكن لكلماتي أن تصفه. لكني أصبحت أشبه بنبي يجوب الشوارع منذرا الناس باقتراب يوم الدين، وكلما رأيت شخصا كلمته عن الكتاب ودعوته لقراءته، واستعرضت له بعض ما اكتسبت منه.
Bilinmeyen sayfa
لكني في كل مرة أقرأ فيها هذا الكتاب أذهل وكأنها المرة الأولى. كما لو أن مغامرة العقل الأولى هو الأفعى التي سرقت من جلجامش زهرة تجدد الشباب. فعند كل سطر من سطوره، أتوقف فأرى فيه روح شاب مكبوتة تريد التعبير عن ذاتها، تريد البوح بآلامها، تريد قول ما تعجز كتب العالم على استيعابه إذا دون. فكل سطر من سطوره هو بحث شامل لقضية ما، فصرت أقضي ساعات تصوف مع ذلك الكتاب، محاولا إزاحة السطور لقراءة ما تخفي خلفها، والغوص في أعماقها لأتعرف على أصولها سعيا لاكتشاف سر ذلك الكتاب، وما له دون سائر كتب المكتبات، ودون سائر كتب مؤلفه. حتى حللت ذلك اللغز.
إن مغامرتك الأولى يا سيدي هي صرخة استغاثة، أتت لتعبر عن نفوس شباب أمة، حولتها عصور من الانحطاط إلى مقبرة للعقول. فمغامرة العقل الأولى يا سيدي هي أكبر وأشمل من مجرد بحث في الأسطورة، وفراس السواح في مغامرته الأولى لم يكن ذلك المفكر المتميز والباحث في أصول الأديان ، بل كان جلجامش الذي يتحدى الصعاب ويخوض المغامرات في سبيل تحقيق ما عجز عنه واستسلم أمامه أبناء أمته.
فكتاب مغامرة العقل الأولى هو بعث للعقول الميتة. ولولا عصور الجهل والانحطاط التي مرت على أمتي لما كانت مغامرة العقل الأولى تعبيرا عن آلام النفوس التي فقدت حقيقتها. ولولا مغامرة العقل الأولى لما كان فراس السواح أقنوما من أقانيم الحكمة، وقدوة لشباب سوريا الذين بعثت جذوة النار في عقولهم. وستبقى مغامرة العقل الأولى خالدة، يخوضها معك في كل زمان ومكان أنكيدو جديد.
يا سيدي!
لقد دخلت كجلجامش أرض الأحياء: «وخلدت لنفسك هناك ذكرا.
على ذروة الأماكن التي ترفع فيها الأسماء قد رفعت اسمك.
وعلى ذروة الأماكن التي لم ترفع فيها الأسماء رفعت مغامرتك الأولى».
فاتحة
عندما كنا صغارا كان أستاذ الجغرافيا يحدثنا عن نظرية لابلاس في نشأة الكون وتشكل العوالم من الكتل السديمية الأولى وتحولاتها. وكنا في جدال دائم حولها وخصام. قال البعض إنها هراء يتعارض والكتب المقدسة التي تقول بخلق السموات والأرض في ستة أيام، وقال آخرون إننا في عصر لا نستطيع فيه غض الطرف عن الحقائق والمكتشفات العلمية، بحجة التمسك بأهداب الدين. وأذكر أنني مضيت إلى أبي يوما أسأله كيف خلق الله العالم في ستة أيام والعلم يقرر أن الكون قد تشكل ببطء عبر مليارات السنين؟ وكان حديثا طويلا استمر إلى ساعة متأخرة من تلك الليلة الشتائية.
فتح القرآن الكريم وقرأ لي بعض آيات أذكر منها:
Bilinmeyen sayfa
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون .
1
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
2
ثم قال: ما طول اليوم الواحد من تلك الأيام الستة التي خلق فيها الله الكون؟
أكان ألف سنة مما نعد، أم خمسين ألف سنة، أم عددا آخر من السنين لا يعرفه إلا الله؟
في اليوم التالي مضيت إلى المدرسة بآراء جديدة أحاول من خلالها تقريب وجهات النظر المتعارضة.
مرت الأيام وعرفنا أن نظرية لابلاس لم تعد صالحة لتفسير النشأة الأولى، وأن نظريات أخرى قد حلت محلها. ولأمر ما يتعلق بتلك النقاشات القديمة بقي اهتمامي قائما بتتبع أخبار الاكتشافات والفرضيات العلمية، المتعلقة ببدايات تشكل المادة والعوالم والحياة، والغايات التي تسعى إليها الجمادات والحيوات. ولعل هذا الاهتمام هو الذي قادني إلى عالم الأسطورة، حيث وجدت البحث في البدايات والغايات، هما أساسيا من همومها. وتذكرت نظرية لابلاس والمجادلات القديمة وتساءلت: نظرية كبيرة أخذت مكانها في مساحة العلم ردحا، ثم دحضت، فما الفرق بينها وبين الأسطورة؟ أليست أساطير التكوين بدورها نظريات قامت للتفسير والتعليل؟ أليست محاولة من العقل، في نشأته، للتصدي للأسئلة الكبيرة المطروحة عليه؟
لقد جهد الإنسان دوما في كشف حقيقة العالم والحياة والبدايات، وشغلته الغايات والنهايات. وكانت وسيلته إلى ذلك مرتبطة بالمرحلة التاريخية لتطوره نفسيا وعقليا. أعتقد في البداية
3
Bilinmeyen sayfa
أن العالم بكل مظاهره المتنوعة يخضع لترابطات وقوانين وقواعد معينة، وأعتقد أن معرفته بتلك الترابطات وقواعدها، تساعده في السيطرة على الطبيعة المحيطة به وإخضاعها لرغباته ومصالحه؛ فهو يستطيع مثلا استجلاب الأمطار عن طريق ممارسات سحرية معينة، تدفع الطبيعة مجبرة للاستجابة، كما يستطيع شفاء الأمراض، والقضاء على الأعداء، ودفع الكوارث الطبيعية بالطريقة نفسها. وقد تجمعت لديه عبر القرون مجموعة من القواعد الذهبية التي تؤلف في مجموعها سفرا متكاملا للسحر. ولم يكن الإنسان في ممارساته تلك يستعين بأية قوى خارقة أو إلهية من أي نوع؛ لإيمانه المطلق بأن تتابع الأحداث يخضع لقانون معين، هو جزء أصيل من الطبيعة ذاتها، لا خارجا عنها ولا متعاليا عليها.
على أن الإنسان، بعد تاريخ طويل مليء بالمرارة والألم والإخفاق في السيطرة على محيطه بعلمه الزائف ذاك (السحر)، اتجه إلى الدين. فإذا كان العالم قد تمرد حتى الآن على الإنسان، مثبتا عدم خضوعه لتلك الترابطات المفترضة، فلا بد إذن من وجود قوى خارقة تقف وراء المظاهر المتبدية لهذا العالم، قوى إلهية، مفارقة له، فعالة فيه. ولا بد أن يكون الكون تبديا ماديا لتلك الطاقات الإلهية، ومظهرا لفعاليتها وقواها المستمرة. وبذلك ابتدأت مرحلة جديدة تتميز بالتقرب لتلك القوى واجتذاب عطفها، ومحاولة تفهم رغائبها، وآلية فعلها وشروطه. فظهر الدين وتطور بشقيه؛ الشق الأول: اعتقادي يستخدم الأسطورة أداة للمعرفة والكشف والفهم. والثاني: طقسي، يستهدف استرضاء الآلهة والتعبد لها.
فالأسطورة، والحالة هذه، هي التفكير في القوى البدئية الفاعلة، الغائبة وراء هذا المظهر المبتدي للعالم وكيفية عملها وتأثيرها، وترابطها مع عالمنا وحياتنا. إنها أسلوب في المعرفة والكشف، والتوصل للحقائق، ووضع نظام مفهوم ومعقول للوجود، يقنع به الإنسان ويجد مكانه الحقيقي ضمنه، ودوره الفعال فيه. إنها الإطار الأسبق والأداة الأقدم للتفكير الإنساني المبدع، الخلاق، الذي قادنا على طول الجادة الشاقة، التي انتهت بالعلوم الحديثة، والمنجزات التي تفخر بها حضارتنا القائمة.
إلا أن الفكر الإنساني في وثبته الدائمة لا يقف عند إطار، ولا يهدأ في مستقر يطمئن إليه، أو يركن لمعرفة يظنها مطلقة لا يأتيها الباطل؛ فهو في حركة دائبة تتجاوز أبدا ما وصلت إليه. فتهاوت الأسطورة تحت مطارق الفلسفة، وتجرع سقراط السم جزاء اجترائه على آلهة اليونان، ومن بعده تابع أفلاطون وأرسطو المهمة. وتعاونت، مع الفلسفة، الديانتان المسيحية والإسلامية. فتبنت المسيحية بضع أساطير أساسية، كونت منها هيكلها، كأسطورة هبوط الإله من السماء وموته وبعثه بعد ذلك، وصعوده إلى السماء. وهدمت ما تبقى من صرح الأساطير القديمة. أما الإسلام فقد أثبت بعض ما أوردته الأساطير، وقدمه في صيغة مختلفة تماما، مرجعا إياه إلى أصله السماوي القديم، قبل تحريف الكلام عن مواضعه، بسبب التقادم أو سوء الطوية. ثم أدى تبلور المناهج العلمية مع مطلع العصور الحديثة إلى الازدراء الكامل للأسطورة وإنزالها إلى مرتبة الحكاية المسلية؛ لما تحتويه من عناصر غيبية تتنافى والتفكير العلمي السليم. كما ادعى العلم، في بعض مراحله، القضاء على الفلسفة والدين معا.
إلا أن القرن التاسع عشر في أوروبا قد جلب معه ثورة فنية وجمالية، أعادت للأسطورة رونقها وبهاءها كشكل فني تعبيري من أشكال الفلكلور والأدب الشعبي، بعد أن أراد أصحاب الاستنارة في القرن الثامن عشر محوها. ولم تكن إعادة الاعتبار هذه إلا مرحلة أولى ؛ فما لبث الرومانتيكيون أن مشوا خطوات أبعد في النظر إلى الأسطورة، فاعتبروها أصلا للفن والدين والتاريخ، وصارت لهم منهلا ثرا وملهما. ثم اتجهت إليها العلوم الإنسانية تبحث خلف الشكل الظاهر للأسطورة عن رموز كامنة ومعان عميقة، تعين على فهم الإنسان وسلوكه وحياته الروحية والنفسية وآليات تفكيره وعواطفه ودوافعه. فقدمت لمختبرات علوم الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا مادة قيمة لا تقدر بثمن، وغدت منهلا للعلوم بعد أن لاقت من العلوم ما لاقت من تجاهل. وإلى جانب هذا وذاك ظهر فرع جديد من فروع المعرفة، يعنى بدراسة وتفسير الأساطير، دعي بالميثولوجيا
Mythology . والشق الأول من الكلمة
Mytho
مأخوذ عن الكلمة اليونانية
Mutho
التي تعني حكاية تقليدية عن الآلهة والأبطال.
Bilinmeyen sayfa
4
أما الشق الثاني
Logy
فيعني «علم». وتستخدم هذه الكلمة الأخيرة بكثرة في العصر الحديث للدلالة على العلوم المختلفة، كأن نقول سوسيولوجيا أو بيولوجيا. كما تعني الميثولوجيا أيضا مجموعة الأساطير الخاصة بشعب من الشعوب،
5
كأن نقول الميثولوجيا السورية أو الميثولوجيا الإغريقية. هذا وقد اهتمت الميثولوجيا الحديثة بتعريف الأسطورة، ودراسة بواعث نشوئها وتفسيرها ودراسة وظائفها النفسية والفكرية والاجتماعية. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، ظهرت، وتظهر، مدارس شتى تهدف إلى تقديم نظريات شاملة متكاملة في تفسير الأسطورة وبيان دلالاتها وبواعثها ووظيفتها، إلا أن معظم هذه المدارس قد وقعت في أحادية النظرة؛ إذ حاولت إعطاء نظريات جامعة مانعة اعتقدت أنها قد أحاطت بالأسطورة وأوقعتها في شبكة التفسير الشامل الجامع. وسأقوم فيما يأتي باستعراض مجتزأ، غير جامع، لأهم تلك المدارس والاتجاهات. (1) الأسطورة باعتبارها فنا أدبيا وحكمة
ينظر هذا الاتجاه، لما ترويه الأسطورة، على أنه تراكم لنتاج الفكر الإنساني المبدع في مجال الأدب؛
6
فالأمثال الصغيرة التي يرويها حكيم القوم، سوف تروى مرات ومرات. ولن يقاوم الراوي رغبته الملحة والمشروعة في الإضافة إليها من عناصر جديدة نابعة من خياله الخاص، ومن ظروف اجتماعية مستجدة. وعندما تأخذ القصة شكلها المكتمل تكون قد عبرت عن طابع فني وفكري وأدبي لشعب من الشعوب. إلا أن هذا الشكل الفني لا ينفصل عن مضمونه الذي ينحو في غالب الأحيان لأن يكون تأمليا، يقدم للمجتمع نظريات في السلوك والأخلاق والتوجيه الاجتماعي. (2) الأسطورة وظواهر الطبيعة
يرجع هذا الاتجاه كل الأساطير إلى منشأ طبيعي يتصل بعناصر الطبيعة.
Bilinmeyen sayfa
7
فكثير من الأساطير كان باعثه القمر، ذلك الجرم السماوي المنير الذي أثار دوما خيال البشر، بأطواره وتبدل أشكاله والسماء المعتمة التي يسبح فيها. وكثير من الأساطير قد تركز حول الشمس، ذلك الجرم المشع، مصدر الحياة والنماء والدفء. وجزء آخر سحرته السماء السامية، مثار التأمل والتفكير العميق. وآخر أهابته ظواهر الطقس المختلفة كالصواعق والرعود والبروق. وحتى الأساطير التي لا تتصل من قريب أو بعيد بظواهر الطبيعة، قد وجدت تفسيرا طبيعيا لها لدى هذه المدرسة، بعد التمحيص والبحث عن أصولها وجذورها وطريقة تطورها وتغيرها. (3) الأسطورة والأيتيولوجيا
الأيتيولوجيا (Aetiology)
هي دراسة الأسباب، فقد وجدت الأسطورة لتقديم الأسباب الكامنة وراء كثير من الظواهر التي يراها الإنسان في العالم الواقعي.
8
تقول أسطورة فلبينية مثلا إن تنوع ألوان العروق البشرية راجع إلى ساعة الخلق، عندما وضع الإله الخالق حفنة من طين في الفرن لصنع الإنسان. ففي المرة الأولى أخرج الإله الطين قبل نضجه فكان الإنسان الأبيض، وفي المرة الثانية تأخر في إخراجه فاحترق، فكان الإنسان الأسود، وفي الثالث أخذ الطين كفايته من الشي فخرج الإنسان الفلبيني البرونزي. وتقول الأسطورة الإغريقية إن هرقل قد أرضعته الإلهة هيرا في صغره، ولقوته العظيمة شعرت هيرا بألم في ثديها من شدة الامتصاص دفعها إلى سحب ثديها من فم الصغير بقوة، فانبثق اللبن في السماء مكونا المجرة المعروفة بدرب اللبن. (4) الأسطورة باعتبارها تاريخا
ليست الأسطورة، وفق هذا الاتجاه، نتاج الخيال المجرد، بل ترجمة لملاحظات واقعية ورصد لحوادث جارية. وعبرها انتقلت إلينا تجارب الأولين وخبراتهم المباشرة.
9
وهي تعود في أصولها إلى أزمان سحيقة سابقة للتاريخ المكتوب. فقبل أن يتعلم الإنسان الكتابة كانت ذاكرته على قدر كبير من النشاط والحيوية، وقد استخدمها لنقل الأحداث بأمانة عبر الأجيال.
10
Bilinmeyen sayfa
ويتقدم أصحاب هذه المدرسة بأمثلة متعددة تدعم وجهة نظرهم هذه، منها أساطير الطوفان، أو الدمار الشامل بالنار السماوية، أو الأعاصير. فشمولية هذه الأساطير وتكررها لدى معظم الشعوب دلالة على تجارب وخبرات عاناها الجنس البشري في مطلع حياته. (5) الأسطورة والطقس
أسس هذا الاتجاه رائد الأنثروبولوجيا الحديثة السير جيمس فريزر. ورغم النقد الذي يوجهه إليه علماء الأنثروبولوجيا المعاصرون، بعد مرور ثمانين عاما تقريبا على ظهور كتابه الفريد «الغصن الذهبي»، فإن تأثير ذلك العبقري ما زال ماثلا، وآراءه ما زالت تلقى الاحترام لدى الكثيرين.
يقول فريزر ومن تأثر به من أصحاب هذا الاتجاه،
11
بأن الأسطورة قد استمدت من الطقوس؛ فبعد مرور زمن طويل على ممارسة طقس معين، وفقدان الاتصال مع الأجيال التي أسسته، يبدو الطقس خاليا من المعنى ومن السبب والغاية، وتخلق الحاجة لإعطاء تفسير له وتسويغ. وهنا تأتي الأسطورة لإعطاء تسويغ لطقس مبجل قديم، لا يريد أصحابه نبذه أو التخلي عنه. إن قيام أتباع ديانة ديونيسيوس، مثلا، بشرب دم ثور حي بعد تمزيقه، وأكل لحمه نيئا بعد ذلك، هو طقس قديم أتت أسطورة موت ديونيسيوس على يد التيتان مفسرة له ومحافظة على حرارته ودفعه؛ فديونيسيوس يحاول الهرب من التيتان، أعداء أبيه زيوس، ولكن عبثا يغير أشكاله وهم يتبعونه، إلى أن يقبضوا عليه في هيئة الثور فينهالوا عليه تمزيقا ويلتهموه حيا ويشربوا دمه. (6) الأسطورة والذرائعية
أسس هذا الاتجاه عالم الأنثروبولوجيا الشهير مالينوفسكي، الذي قضى شطرا من حياته في دراسة تجريبية مع قبائل التروبرياند في غرب المحيط الهادي إبان الحرب العالمية الثانية، والذي يعد من أشهر ناقدي جيمس فريزر وأصحاب المدرسة النفسية أيضا كفرويد.
يقول مالينوفسكي إن الأسطورة لم تظهر استجابة لدافع المعرفة والبحث، ولا علاقة لها بالطقس أو البواعث النفسية الكامنة، بل هي تنتمي للعالم الواقعي، وتهدف إلى تحقيق نهاية عملية؛ فهي تروى لترسيخ عادات قبلية معينة، أو لتدعيم سيطرة عشيرة ما أو أسرة أو نظام اجتماعي وما إلى ذلك. فهي، والحالة هذه، عملية في منشئها وغايتها.
12 (7) الأسطورة والكبت، فرويد
في كتابه «تفسير الأحلام» اجتذبت الأسطورة فرويد، كما اجتذبت الكثير من أتباعه فيما بعد. وفي كتابه ذاك، الذي نشر لأول مرة عام 1905م.
13
Bilinmeyen sayfa
يرى فرويد تشابها في آلية العمل بين الحلم والأسطورة، وتشابه الرموز لكليهما، فهما نتاج العمليات النفسية اللاشعورية. ففي الأسطورة، كما في الحلم، نجد الأحداث تقع حرة خارج قيود وحدود الزمان والمكان. فالبطل في الأسطورة، كما هي حال صاحب الحلم، يخضع لتحولات سحرية ويقوم بأفعال خارقة، هي انعكاس لرغبات وأمان مكبوتة، تنطلق من عقالها بعيدا عن رقابة العقل الواعي الذي يمارس دور الحارس على بوابة اللاشعور. فالأسطورة، والحالة هذه، ملأى بالرموز، التي إن فسرت زودتنا بفهم عميق لنفس الإنسان الخافية ورغباته المكبوتة. وتفسير فرويد في هذا المجال لأسطورة أوديب أشهر من أن يبحث هنا.
وفي كتابه «التوتم والتابو»،
14
يبدو فرويد مقتنعا تماما أنه في فترة مبكرة من تاريخ الإنسانية، وقعت أحداث الدرام الأوديبي بشكل حقيقي، عندما تعاون الأولاد على قتل أبيهم في القبيل الابتدائي، في صراع كان دافعه الحصول على زوجات الأب. وعندما تم لهم ذلك انتابهم إحساس الندم والإثم، فحرموا على أنفسهم زوجات الأب، وكان ذلك أول قانون وضع للبشر. ولكن تلك التجربة البدئية قد تركت بصمتها على ضمير الجنس البشري، وهي الأساس وراء إحساس البشر المتوارث بخطيئة ما، كما أنها الأساس الكامن وراء مجموعة الأساطير التي تروى عن التضحية بالإله الابن. وكأنما يقدم البشر كفارة رمزية عن خطيئتهم الأولى نحو الأب.
15
لقد فتح فرويد بابا واسعا لم يغلق بعد أمام التفسير النفسي للأسطورة، وتابع الرحلة بعده تلامذته وناقدوه من أمثال يونج ورانك وفروم وغيرهم. (8) الأسطورة والنماذج البدئية، يونج
كان يونج من أكثر تلامذة فرويد اهتماما بالأسطورة، وتعمقا في دراستها، وتعويلا على أهميتها وعمقها وبعد دلالاتها. وفي رأيه أن كل المحاولات التي بذلت لتفسير الأسطورة لم تساهم في فهمها، بل على العكس لقد زادت في الابتعاد عن جوهرها، وزادت من حيرتنا نحوها. وهو يقتفي أثر فرويد في النظر للأسطورة كنتاج اللاشعور، ولكنه يفترق عنه جذريا عندما يقرر أن اللاشعور الذي تنتج عنه الأسطورة هو اللاشعور الجمعي للبشر، وهو يناقض نظرية فرويد القائلة بأن الأسطورة والحلم إنما يشفان عن مكنونات العناصر المكبوتة في لا شعور الفرد، وإنها نوع من التعويض عن رغبات لم يقيض لها إرضاء حقيقي؛ فالصور والخيالات المتبدية في الحلم والأسطورة لم تكن في وعي الفرد الشخصي في يوم من الأيام؛ ولذا فإنها لم تكبت، والأصح أن نقول إنها قد عاشت في اللاشعور الجمعي، ولكن انبثاقها كان من خلال الفرد. فنحن عندما نتنفس لا نستطيع تفسير هذا التنفس فرديا. ولذا يمكن القول بأننا ممتلكون من قبل هذه الصور والخيالات أكثر من كوننا مالكين لها. ونحن كلما تعمقنا نحو طبقات النفس السفلى، غادرنا عالم الفرد الشخصي تدريجيا واقتربنا من الأرضية الإنسانية المشتركة لبني البشر، إلى أن نصل إلى قاع النفس فلا نجد هناك سوى العالم بكل بساطة، مجردا من أي طابع شخصي فردي، تماما كما هو الأمر عندما نحلل المواد المكونة للجسد الإنساني، حيث تعود مادة الكربون الموجودة في الجسم إلى الكربون الطبيعي الذي تتشكل منه جميع الأجسام. فمن خلال رموز الأسطورة نجد أن العالم يتكلم، وكلما ازداد الرمز عمقا، كان أقرب للعالمية والشمول الإنساني.
16 (9) اللغة المنسية (إريك فروم)
إريك فروم (Erich Fromm)
آخر عمالقة مدرسة التحليل النفسي. قدم لنا في كتابه اللغة المنسية (The Forgotten Language)
Bilinmeyen sayfa