بالعربية، وإن العربية إنما سميت به؛ فأخذت من اسمه، إنما هم القحطانيون، وهم يأتون بمختلف الروايات والأقوال لإثبات أن القحطانيين هم أصل العرب، وأن لسانهم هو لسان العرب الأول، ومنهم تعلّم العدنانيون العربية، ويأتون بشاهد من شعر "حسان بن ثابت" على إثبات ذلك، يقولون: إنه قاله، وإن قوله هذا هو برهان على أن منشأ اللغة العربية هو من اليمن. يقولون إنه قال:
تعلمتم من منطق الشيخ يعرب ... أبينا؛ فصرتم معربين ذوي نفر
وكنتم قديمًا ما بكم غير عجمة ... كلام، وكنتم كالبهائم في القفر١
ولم يكن يخطر ببال هؤلاء أن سكان اليمن قبل الإسلام كانوا ينطقون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، وأن من سيأتي سيكتشف سرّ "المسنَد"، ويتمكن بذلك من قراءة نصوصه والتعرف على لغته، وأن عربيته هي عربية تختلف عن هذه العربية التي ندوّن بها، حتى ذهب الأمر بعلماء العربية في الإسلام بالطبع إلى إخراج الحميرية واللهجات العربية الجنوبية الأخرى من العربية، وقصر العربية على العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وعلى ما تفرع منها من لهجات كما سأتحدث عن ذلك فيما بعد. وهو رأي يمثل رأي العدنانيين خصوم القحطانيين.
والقائلون إن يعرب هو جدّ العربية وموجدها، عاجزون عن التوفيق بين رأيهم هذا ورأيهم في أن العربية قديمة قدم العالم، وأنها لغة آدم في الجنة، ثم هم عاجزون أيضًا عن بيان كيف كان لسان أجداد "يعرب" وكيف اهتدى "يعرب" إلى استنباطه لهذه اللغة العربية، وكيف تمكن من إيجاده وحده لها من غير مؤازرة ولا معين؟ إلى غير ذلك من أسئلة لم يكن يفطن لها أهل الأخبار في ذلك الزمن، وللإخباريين بعد كلام في هذا الموضوع طويل، الأشهر منه القولان المذكوران ووفق البعض بينهما بأن قالوا: إن "يعرب" أول من نطق
_________
١ كتاب الإكليل: "١/ ١١٦" تحقيق "محمد بن علي الأكوع الحوالي"، القاهرة سنة ١٩٦٣ "مطبعة السنة المحمدية"، المكتبة اليمنية "٢"، الأصمعي.
1 / 15