قال: وبلغ العجاج أن رؤبة قال: أنا أشعر من أبي، فقال له أبوه أنت أشعر مني؟ قال: نعم، قال: ومن أين أتاك ذلك؟ قال: من حيث أتاك، إنك أشعر من أبيك رؤبة، فسكت.
وتنازعا معًا بحضرة عبد الملك بن مروان في قول:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ
وكانت لرؤبة دون العجاج، فأخذها العجاج ثم أنشدها لعبد الملك، وأخذ جائزتها، فقال رؤبة لأبيه: ما أنشدت أمير المؤمنين؟ فقال:
وقاتم الأعماقِ خاوي المخترقْ
فقال: والله لقد سرقت شعري، ولست أفارقك أو تدفع إلي جائزتها، وإلا بيني وبينك عبد الملك. فرجعا إلى عبد الملك، فقال رؤبة: يا أمير المؤمنين، إن أبي سرق قصيدتي، وأنشدكها. فجحد أبوه أنها لولده، وقال: هي لي دونه، وأنا قائلها. فقال له: خل عن أبيك، فقد جاء عن رسول الله، ﷺ أنه قال: " إن أحل، ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه ". فلا ضير إن اكتسب أبوك بشعرك. فأغاظ العجاج ما صنعه به ابنه رؤبة، فقال له: إن قلت وادعيته لنفسي، فأنا شاعر. فقال: إن كنت شاعرًا فلست ابن شاعر، وأنا شاعر إبن شاعر. فأنشأ العجاج يقول:
يردُّ عليَّ الشعرَ منْ أمهُ ... ثلاثينَ عردًا في ثلاثِ ليالِ
فأجابه رؤبة:
فقد جدي جدتي، باابنَ جدتي ... ثمانينَ عردًا في ثلاثِ ليالِ
فضحك عبد الملك حتى علا صوته، وأجازه كما أجاز أباه.
ومات رؤبة سنة خمس وأربعين ومائة. وفي اسمه لغات: روبة، غير مهموز، ورؤبة مهموز، وروبة بفتح الراء. وسئل يونس عن رؤبة المهموزة، قال: هي قطعة من خشب، يرأب بها القدح والجفنة. ورؤبة الفرس جماعه.
ورؤبة الليل: ساعة منه. ورجل رائب، ورجال روبى: تعني النعاس. ويقال: فلان لا يقوم برؤبة أهله: أي لا يقوم بما يسندون إليه من حوائجهم. ويقال: روب لبنك برؤبة، أي بخميرة تدرك بها اللبن.
قال الأصمعي: حدثنا رؤبة قال: دخل علي ذو الرمة، فسمع قولي فسرق أول أرجوزتي.
قال الأصمعي: دخلنا على أبي عمرو بن العلاء، فقال: سمعت رؤبة يقول: دخلت على أبي مسلم، بعد قتل مروان، وهو في بهو له بالشام، فسلمت عليه، فرد السلام وقال: أنشدني قصيدتك التي في وصف البعير، فقلت: بل أنشد مدحي فيك، وأنشأت أقول:
ما زالَ يأتي الأمرَ من أقطارهِ
على اليمينِ، وعلى يسارهِ
مشمرٌ لا يصطلي بنارهِ
حتى أقرَّ الملكَ في قرارهِ
فقال: ويحك أنشدني ما قلت لك أولًا، فقلت:
خفضتَ بيتًا ورفعتَ بيتا
في الأكرمين من قريشَ بيتا
فقال: ويحك أنشدني ما قلت لك أولًا، فقلت:
ما زال يبني خندقًا ويهدمهْ
وعسكرًا يشرعهُ فيهزمهْ
ومغنمًا يجمعهُ فيقسمهْ
مروانُ لما غرهُ منجمهْ
فقال ويحك أنشدني:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ
فأنشدته، فلما انتهيت إلى قولي:
ترمي الجلاميدَ بجلمودٍ مدقْ
قال: قاتلك الله لقد صليت حافره. ثم دعا وصيفًا له وأسر إليه شيئًا. فقمت والوصيف في الباب، فأعطاني ألف دينار.
ومن معاني رؤبة:
قد رفعَ العجاجُ ذكري فادعني
باسمٍ، إذا الأسماءُ طالتْ، يكفني
وهذا المعنى من قول الآخر يمدح قيس بن معدي كرب:
قيسٌ أبو الأشعث بطريقُ اليمنْ
لا يسألُ السائلُ عنه ابن منْ
وأخذ هذا المعنى دعبل فقال:
إذا تسميتَ فذاكَ نسبي
ولستُ أحتاجُ إلى ذكرِ أبي
ومن أخبار رؤبة قال الأصمعي: إن رؤبة قال: كانت لي حاجة إلى بعض عمان السلطان، فاستشفعت ببعض أهل البصرة وبالشعر فلم تنجح، فرشوت فنلت حاجتي، فقلت:
لما رأيتُ الشعراءَ بلدوا
وسألوا أميرهم فأنكدوا
هزمتهم برشوةٍ فأقردوا
فسهلَ الله بها ما شددوا
وشبيه بهذا قول الأعرابي:
وكنتُ إذا أخصمتُ خصمًا كبيتهُ ... على الوجهِ، حتى خاصمتني الدراهمُ
فلما تنازعنا الخصومةَ صدقتْ ... عليَّ، وقالوا: قمْ فانكَ ظالمُ
وكان دعبل إذا أنشد هذا البيت:
عليَّ، وقالوا: قمْ فانكَ ظالمُ
يصيح صيحة قوية في قوله: قم. فقيل له: لم تصيح؟ فقال: كذا صاحوا علي لما قالوا: قم.
1 / 29