عني بما قاله: أن المعتصم مات، وقام الواثق. فقلت: يا هذا أمسك عليك لسانك، فكأني اراك سوف تجني على نفسك جناية، فقال: دعني، فأني أتصدق من ربي خشبة أصلب عليها من عشرين سنة، فما جاد لي بها. ولما قتل الواثق أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي وصلبه، قال دعبل:
بني مالكٍ صونوا الجفونَ عن الكرى ... ولا ترقدوا بعدَ ابنِ نصرِ بن مالكِ
فقد حملتهُ للقبورِ مطيةٌ ... أنافتْ بهاديهِ على شخصِ بابكِ
وسلوا من الأجفانِ كلَّ مهندٍ ... بصيرٍ بضربٍ للطلى متداركِ
يقومُ به للهاشمياتِ مأتمٌ ... له ضجةٌ يبكي بها كلُّ ضاحكِ
تذكرهم قتلى ببدرٍ تنوشهمْ ... سباعٌ وطيرٌ من سباعٍ بواركِ
كما فتكتْ أسيافهمٍ بمحمدً ... وهدتٍ مباني عرشهِ المتماسكِ
فطلَّ دمُ المخلوعِ، وانتهكتْ له ... ذخائرُ من منقوشةٍ، وسبائكِ
فأنْ غصَّ هارونٌ بجرعةِ عمهِ ... فأيسرُ مفقودٍ، وأهونُ هالكِ
وله أيضًا:
نعوني، ولما ينعني غيرُ حاسدٍ ... وغيرُ عدوٍّ قد أصيبتْ مقاتلهْ
يقولون: إن لاقى الردى ماتَ شعرهُ ... وهيهاتَ عمرُ الشعرِ طالت طوائلهْ
وهبْ شعرهُ، إن ماتَ، ماتَ فأينَ ما ... تحملهُ الراوون والخطُّ حابلهْ؟
سأقضي ببيتٍ يحمدُ الناسُ صدقهُ ... ويكثرُ من أهل الروايةِ ناقلهْ
يموتُ رديءُ الشعرِ من قبل موتهِ ... وجيدهُ يبقى، وإنْ ماتَ قائلهْ
ومن معاني دعبل، وإن كانت موجودة، قوله:
وإذا حلمتَ فأعطِ حلمكَ كنههُ ... مستأنيًا، وإذا كويتَ فأنضجِ
وإذا التمستَ دخولَ أمرٍ فالتمسْ ... من قبل مدخلهِ سبيلَ المخرجِ
ومنه قوله:
فلا تحسدِ الكلبَ أكلَ العظامِ ... فعندَ الخراءةِ ما ترحمهُ
تراهُ وشيكًا تشكى آستهُ ... كلومًا جناها عليهِ فمهُ
إذا ما أهانَ امرؤٌ نفسهُ ... فلا أكرمَ اللهُ من يكرمهُ
وأول هذا المعنى لحاتم في قوله:
ونفسك أكرمها، فإنكَ إنْ تهنْ ... عليكَ، فلنْ تلقى لها، الدهرَ، مكرما
وقال زهير:
ومنْ لا يكرمْ نفسهُ لا يكرمِ
ومثل ذلك:
وكان غنيَّ النفسِ أيام فقرهِ ... فصارَ فقيرًا في الغنى، خيفةَ الفقرِ
بخلتَ بما آتاكَ ربكَ خيفةً ... من العسرِ، ويكَ الآن صرتَ إلى العسرِ
ولابن عباد المهلبي:
تجودُ بالمالِ على وارثٍ ... ولا ترى أهلًا لهُ نفسكا
قدمَ حسنَ الظنّ بالله من ... جادَ، وأخطا الظنَّ منْ أمسكا
وله أيضًا:
فأقسمتُ: لا عنْ جفوةٍ، لا ولا قلىً ... ولا مللٍ أبطأتُ عنكَ أبا بكرِ
ولكنني لما رأيتكَ زائرًا ... فأفرطتَ في بري، عجزتُ عن الشكرِ
فملآنَ لا آتيكَ إلا مسلمًا ... أسلم في الشهرين يومًا، وفي الشهرِ
فانْ زدتني برًا تزيدتُ جفوةً ... فلا نلتقي، طولَ الحياةِ، إلى الحشرِ
المعنى مأخوذ من أبي نؤاس:
قد قلتُ للعباسِ معتذرًا ... من ضعفِ شكريهِ، ومعترفا
أنتَ امرؤٌ جللتني نعمًا ... أوهتْ قوى شكري، فقد ضعفا
لا تسدينَّ إليَّ عارفةً ... حتى أقومَ بشكرِ ما سلفا
وقال البحتري:
أخجلتني بندى يديكَ، فسودتْ ... ما بيننا تلكَ اليدُ البيضاءُ
صلةٌ غدتْ في الناسِ وهي قطيعةٌ ... عجبًا، وبرٌ راحَ وهو جفاءُ
وقيل في صفة جولان القوافي:
ألستُ إذا ما قلتُ بيتًا تناوحتْ ... بهِ الريحُ في شرقيها والمغاربِ
يقصرُ للسارينَ من ليلةِ السرى ... ويغدى عليه بالقيانِ الضواربِ
ولدعبل في المعنى:
من كلِّ عابرةٍ إذا وجهتها ... طلعتْ بها الركبانُ كلَّ نجادِ
طورًا يمثلها الملوكُ، وتارةً ... بين الثديِّ تراضُ والأكبادِ
ولمروان بن أبي حفصة:
إني أقولُ قصائدًا جوالةً ... أبدًا تجولُ خوالعًا أرسانها
من كل قافيةٍ إذا أجريتها ... جمحتْ، فلم تملكْ يدايَ عنانها
ولبشار:
ومثلكَ قد سيرتهُ بقصيدةٍ ... فسارَ، ولم يبرحْ عراصَ المنازلِ
رميتُ بها شرقًا وغربًا فأصبحتْ ... به الأرضُ ملآى من مقيمٍ وراحلِ
وما أحسن قول ابن حازم:
1 / 20