أخضر في أبيض تبدى ... ذلك آسي وذا بَهَارِي١ فقد حوى مجلسي تمامًا ... إن كان من رِيقِه عُقَارِي٢ وبينا هو يومًا في قبة له يكتب شيئًا، أو يطالع، وعنده بعض كرائمه، فدخلت عليه الشمس من بعض الكُوَى الكائنة فيها، فقامت دونه تستره من الشمس، فقال ﵀ بديهًا: من البسيط قامت لتحجبَ ضوء الشمس قامتها ... عن ناظري، حُجبَتْ عن ناظر الغيرِ٣ علمًا لعمرك منها أنها قمرٌئ ... هل تكسفُ الشمسَ إلا صورة القمر! وبينا جارية من كرائمه قائمة على رأسه تسقيه والكأس في يدها، إذ لمع البرق فارتاعت؛ فقال ﵀ بديهًا: من السريع رِيعَتْ منَ البرقِ وفي كفها ... برْق من القهوة لمَّاع٤ عجبتُ منها وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع! وله مع هذا مقاطع حسان كان يرتجلها في مجالس أنسه، ولاستدعاء خاصة جلسائه، منعني من استيفائها قلة ما على خاطري منها. وسيمر من شعره الذي قاله في أيام محنته ما يفجر الصُّمَّ، ويزعزع الشُّمَّ٥. وكان لا يستوزر وزيرًا إلا أن يكون أديبًا شاعرًا حسن الأدوات، فاجتمع له من الوزراء الشعراء ما لم يجتمع لأحد قبله. أبو الوليد بن زَيْدُون* فمن جملة وزرائه الوزير الأجلّ ذو الرياستين، أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن زيدون، ذو الأدب البارع، والشعر الرائع، أحد شعراء الأندلس المجيدين

١- الآس: شجر دائم الخضرة، أبيض الزهر، ذو رائحة طيبة. البهار: زهر طيب الرائحة، ينبت في الربيع، ويقال له: العرار. ٢- العقار: الخمر. ٣- الغير: غير الدهر: أحداثه، وأحواله المتغيرة. ٤- ريعت: فزعت. القهوة: من أسماء الخمر. ٥- الصم: الصخور، والشم: الجبال. * ترجمته في: بغية الملتمس: ١٨٦؛ وفيات الأعيان: ١٣٩/١؛ البداية والنهاية: ١١١/١٢؛ شذرات الذهب: ٣١٢/٣؛ كشف الظنون: ٢٧٨، ٨٤١؛ إيضاح المكنون: ٤٨٥/١؛ معجم المؤلفين: ٢٨٤/١؛ الأعلام: ١٥٨/١؛ تاريخ الأدب العربي "فروخ": ٥٨٨/٤؛ جذوة المقتبس: ١٢١؛ المطرب من أشعار أهل المغرب: ١٦٤.