التعريف بمؤلف الكتاب*
أما مؤلف هذا الكتاب فهو أبو عبيد عبد الله بن أبى مصعب عبد العزيز بن أبى زيد محمد بن أيوب بن عمرو البكرىّ. من بكر بن وائل صليبة. وهو لغوى من الطّراز الأول فى الأفق الأندلسىّ، تحدثنا مؤلفاته النادرة أنه امتاز على أهل عصره بثقافته اللغوية العالية، كما يحدثنا أصحاب التراجم بأن أسلافه كانوا من بيت السراوة والشرف والرياسة، وأرباب النعم؛ استمدوا الشرف من صريح أنسابهم فى بلاد العجمة، كما استمدوه من ماضيهم الحربى فى فتح الجزيرة، وشغل المناصب العالية فى الدولة، فتحدثنا كتب التراجم أن جده أيوب بن عمرو تولى خطة الرد بقرطبة زمن الدولة الأموية، والقضاء ببلده لبلة. والقضاء كان من المناصب التى يحتكرها علية الناس وسرواتهم فى الأندلس. فلما انتثر عقد دولة الأمويين، تغلب ملوك الطوائف على ما بأيديهم من البلاد، واستقل البكريون بأونبة (ولبة) وشلطيش وما بينهما من البلاد فى كورة لبلة، على ساحل البحر المحيط، غربى إشبيلية، وقعدوا منها مقعد أكابر الأمراء، من الخروج عن الطاعة، والاستبداد عن الجماعة. ودامت إمرة البكريين فى تلك الناحية نحو أربعين سنة، انتهت تغلب المعتضد عبّاد بن محمد صاحب إشبيلية سنة ٤٤٣ على ما جاوره من البلاد والإمارات الصغيرة. وكان آخر البكريين حكما بأونبة أبو مصعب عبد العزيز، والد أبى عبيد صاحب المعجم، فخرج هو وآله منها، ونزلوا قرطبة فى كنف بن جهور.
ولم تصرح كتب التراجم بالسنة التى ولد فيها أبو عبيد، وإنما ذكرت وفاته سنة ٤٨٧ هـ عن سن عالية، كما يشهد بذلك كلام الفتح بين خاقان فى القلائد.
وقد ذكروا من أساتذته أربعة من جلّة علماء الأندلس: أبا مروان بن حيّان صاحب التاريخ المشهور، وأبا بكر المصحفى، وأبا العباس العذرى، وأبا عمر يوسف بن عبد البر النّمرى، حافظ الأندلس، ومحدثها الأكبر؛ تذكر كتب التراجم أنه أجاز أبو عبيد، ولعله ناوله كتبه ومرويّاته، وهى كثيرة، ولكن البكرى لم يأخذ عنه، ولم يسمع منه وإن كان بعض الباحثين قد فهم من الإجازة أنه تلمذ له.
ولم تذكر التراجم غير من ذكرنا من شيوخه. أما أنا فأرى البكرىّ من ثمرات ذلك العراس الأدبى واللغوى، الذي غرسه أبو على القالى فى إقليم الأندلس. فقد تخرج
المقدمة / 16