Mısır, 19. Yüzyılın Başlarında: 1801-1811 (Birinci Cilt)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Türler
وأما «لسبس» فقد استطاع هو الآخر مغادرة القاهرة في 27 فبراير، فبلغ الإسكندرية في 4 مارس وكتب في اليوم التالي لوصوله يشرح الأسباب التي دعته لاتخاذ هذه الخطوة، ومنها «إمعان البكوات في إهاناتهم للمواطنين والمحميين الفرنسيين، وفي وقاحاتهم، وأن عثمان البرديسي الذي أراد قبل ذلك إرغام المواطن كاف على دفع خمسة آلاف ريال أبو طاقية؛ بدعوى حاجته إليها لدفعها للجند الأرنئود وتسريحهم؛ قد أعطى حوالة عليه بهذا المبلغ لحسين بك الزنطاوي حتى يتولى هذا الأخير إرغامه على دفعها، ثم إن البرديسي لا يزال يطلب من تاجر نمساوي ظل مقيما بالقاهرة - ثلاثين كيسا، ويطلب من «روشتي» خمسين كيسا بدعوى دفع مرتبات الجند منها، كما طلب الخراج من المحميين الفرنسيين»، وفي هذه الرسالة ذكر «لسبس» أن «روشتي» يستعد للرحيل من القاهرة بحجة تبديل الهواء في الإسكندرية، بينما غادر القاهرة أو صار على وشك مغادرتها كل الأوروبيين الذين لم ترغمهم ظروفهم على البقاء بها.
تلك إذن كانت حال القاهرة، بعد أن استمر حكام البكوات بها أقل من عام واحد فحسب: مظالم ومصادرات، واعتداءات من الجند على الأهلين، وتذمر وسخط شديد من جانب الأهلين والمشايخ على حكومة البرديسي وإبراهيم المستبدة والضعيفة. وليس من شك في أن مبعث أكبر الصعوبات التي صادفتها هذه الحكومة كان تمرد الجند وعصيانهم ومطالبتهم بمرتباتهم المتأخرة، وعجز البكوات عن دفعها، وكانت أزمة المرتبات هذه الصخرة التي تحطمت عليها حكومتهم العاجزة أخيرا. (3) انقلاب «12-13 مارس» وطرد البكوات من القاهرة
اعترف الباب العالي بحكومة البكوات الفعلية منذ وصول فرمانه إليهم في نوفمبر 1803 يحمل ترتيبات الوضع الجديد وعفو السلطان العثماني وصفحه عنهم، ومع أن البكوات لم يرضوا عن هذه الترتيبات للأسباب التي ذكرناها في موضعها؛ فقد عقدوا العزم على مواصلة مساعيهم في القسطنطينية للحصول على شروط أفضل، ولم ينعدم الرجاء في إمكان إقناع الباب العالي بالتسليم والرضوخ للأمر الواقع، إذا ثابر البكوات على هذا المسعى، واستمر يتوسط الإنجليز والفرنسيون لصالحهم في القسطنطينية.
وفضلا عن ذلك فإنه لم يبد من جانب الباب العالي - منذ أن بعث بعلي باشا الجزائرلي واليا على مصر وقرر ترتيباته الأخيرة لحكومة البلاد - ما يدل على أنه قد اعتزم تغيير هذه السياسة، بل إن الفرمان الذي أصدره الباب العالي في 20 يناير 1804، وحمله صالح أغاقابجي باشا إلى مصر جاء خلوا من ذكر الجمارك والالتزام وغيره - على حد تعبير الشيخ الجبرتي - مما كان ذكره «علي باشا الجزائرلي»، أو ما جاء - بتعبير أدق - في الفرمان الصادر في 5 سبتمبر 1803 والذي سبق الحديث عنه.
وفي فبراير 1804 قرأ البكوات فرمانا «وصل من الدولة لعلي باشا الجزائرلي والأمراء بتشهيل أربعة آلاف عسكري وسفرهم إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وإرسال ثلاثين ألف إردب غلال إلى الحرمين»؛ أي أن اعتراف الباب العالي بحكومة البكوات أو مشيختهم استمر إلى الوقت الذي كانت قد أخذت تبدأ فيه الحوادث التي انتهت بطرد حكومتهم من القاهرة.
وسواء كان اعتراف الباب العالي بحكومتهم وقتيا - ولا يثق البكوات في إخلاص الوزراء العثمانيين وصدق نواياهم نحوهم بالرغم من وعود الصفح والغفران، وقد أشار مسيت إلى ذلك عندما ذكر لحكومته في 4 فبراير أن ذلك كان موقف البكوات من الباب العالي بالرغم «من الفرمانات الكثيرة التي صارت تصل إليهم من الباب العالي في هذه الأيام تخولهم امتلاك مصر» - أم كان الباب العالي مخلصا في نواياه؛ فقد كان لدى البكوات الفرصة السانحة لتعزيز حكومتهم الفعلية في مصر لو أنهم لم يرتكبوا تلك الجريمة السياسية التي أودت بحياة علي الجزائرلي، ممثل الباب العالي الشرعي في البلاد، فقد كانوا أصحاب السيطرة الفعلية في البلاد بأسرها ما عدا الإسكندرية، وكان من المحتمل - وعلى نحو ما استهدف البكوات أنفسهم في أول الأمر - أن تخضع الإسكندرية ذاتها لسلطانهم بعد انتقال الجزائرلي إلى القاهرة، ولكنهم بقتل علي الجزائرلي، خلقوا لأنفسهم متاعب ومشاكل كثيرة لم يستطيعوا التغلب عليها، وأفضت إلى سقوطهم.
ولعل أهم النتائج التي ترتبت على الفتك بعلي الجزائرلي من حيث مصير الحكومة المملوكية أن صفح الباب العالي عنهم واعترافه بحكومتهم في النظام الذي صدر به فرمانه إليهم وإلى علي باشا في 5 سبتمبر 1803 قد سقط الآن في الهواء، ووقف البكوات بفعلتهم موقف الثوار والعصاة من صاحب السيادة الشرعية على البلاد، وحرمت حكومتهم من ذلك السند الشرعي الذي كان لا غنى لها عنه في نظر الأهلين خصوصا لاستقامة أوضاع الحكم في مصر، فقد تقدم كيف أن أصحاب كل انقلاب من الانقلابات الماضية كانوا يستكتبون المشايخ والعلماء رجال الشرع العرائض للسلطان ؛ لتبرير ما حدث، ولحمل الباب العالي على إقرار الأوضاع الجديدة.
أما البكوات فلم يستطيعوا بعد قتلهم علي باشا استكتاب المشايخ مثل هذه العرائض، واستمر الأهلون ينظرون إليهم كمجرمين، ثم ازداد حنقهم على البكوات بسبب سوء إدارتهم وما وقع على الأهلين من مظالم فادحة في عهدهم.
وقد نجم عن افتقار حكومتهم إلى هذا السند الشرعي، وإقدامهم على ارتكاب هذه الجريمة السياسية - مقتل علي الجزائرلي - أن زاد اعتمادهم من الآن فصاعدا على الأرنئود وزعيمهم محمد علي بالرغم من اقتناعهم بأن الواجب يقتضيهم التخلص من هؤلاء الأرنئود بكل وسيلة وبأقصى سرعة ممكنة، وكان في اعتمادهم على الأرنئود وزعيمهم محمد علي هلاكهم.
فقد ازدادت شرور الأرنئود في القاهرة خصوصا عقب مقتل الجزائرلي، وعجز البكوات عن ردعهم؛ لأنهم بعد فتكهم بعلي باشا لم يكونوا في وضع يمكنهم من تحطيم محالفتهم معهم، بسبب بقاء الإسكندرية معقلا عثمانيا بعيدا عن سلطانهم، وبسبب تفرق كلمتهم وعزمهم على مطاردة الألفي، بل إن البكوات إزاء مطالبة الأرنئود الصاخبة والمتكررة بمرتباتهم المتأخرة؛ لم يجدوا مناصا من فرض الإتاوات والمغارم على الأهلين.
Bilinmeyen sayfa