339

Mısır, 19. Yüzyılın Başlarında: 1801-1811 (Birinci Cilt)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Türler

في 9 يوليو 1809، بل توقع أن تعلن تركيا الحرب على إنجلترة، واعتقد أن الإنجليز عند قيام الحرب سوف يبادرون باحتلال مصر تأمينا لممتلكاتهم في الهند ضد فرنسا، وكان من المنتظر في هذه الحالة أن يحاول الإنجليز الاعتماد على البكوات المماليك في تأييد حملتهم على مصر، وفي هذه المرة سوف يبذلون قصارى جهدهم لإقناع البكوات بالتعاون الفعلي معهم، وعدم الاكتفاء بموقف الحياد الذي وقفوه أيام حملة «فريزر»، ولما كان البكوات قد أخلوا بعهودهم مع الباشا ولم ينفذوا اتفاقهم معه، وظلوا معتصمين بالصعيد، فقد توقع محمد علي أن يتعاونوا في هذه المرة مع الإنجليز، ووجب عليه - لذلك - أن يفرغ من إخضاعهم لسلطانه قبل تحقق هذه الأخطار التي توقعها، وذلك إما سلما بالاتفاق معهم واستمالتهم إلى الحضور للقاهرة والإقامة بها تحت إشرافه ومراقبته، وإما حربا بقتالهم وهزيمتهم وسحق قواتهم تماما، وإرغامهم بذلك إرغاما على الخضوع له والإذعان لطاعته.

وعلى ذلك فقد شرع منذ منتصف شهر أغسطس 1809 يرسل قواته إلى الصعيد، فخلع في 14 منه على ثلاثة من الأجناد المصرية (المماليك) المنسوبين لسليمان بك البواب، وقلدهم صناجق وأمراء وضم إليهم عساكر أتراك وأرنئود ليسافر الجميع إلى الجهة القبلية، ثم إنه عين للسفر أيضا أحمد آغا لاظ، وصالح قوج، وبونابرتة (الخازندار) وحسن باشا وعابدين بك، فارتجت البلد، وطلبوا المراكب، وفي 21 أغسطس غادر القاهرة أحمد آغا لاظ وصالح قوج، خرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب، وذهبوا إلى قبلي، وفي 30 أغسطس سافر من كان متأخرا إلى الجهة القبلية، ولم يبق منهم أحد.

وتقدم الجيش الزاحف على الصعيد، في الأيام الأولى من شهر سبتمبر، وعجز البكوات عن المقاومة، فصار المماليك يفرون، في كل مكان يظهر فيه جنده، تاركين شاطئ النيل، ملتجئين إلى الجبال في جرجا وأسيوط للتحصن بها، ورأى الباشا في تقهقر البكوات المستمر دليلا على ضعفهم وخوفهم، أو رغبتهم في حقن دمائهم، وتأكد لديه أن وجوده على رأس جيشه سوف يفضي إلى تسليمهم وخضوعهم السريع معتمدا على قدرته أثناء وجوده بالصعيد على إشاعة الفوضى في صفوفهم، وزيادتها حدة على حدتها، فيتسنى له بفضل ذلك حملهم على الاتفاق معه، أو على الأقل إضعافهم بسبب زيادة هذا الانقسام والحيلولة دون تكتلهم ضده ، فقرر اللحاق بجيشه، ثم إنه اعتزم أن يصحب معه في هذه الحملة الكبيرة ولديه إبراهيم وطوسون، ثم شاهين بك الألفي، حتى يوسطه في المفاوضة مع البكوات عندما يجد هؤلاء أن لا مناص لهم من قبول الاتفاق معه والوفاء بعهودهم.

وأطلع الباشا «دروفتي» على أسباب تجهيز هذه الحملة والغرض من إرسالها وذهابه لقيادتها بنفسه، فكتب القنصل الفرنسي إلى حكومته في 9 سبتمبر 1809: «أنه لما كان محمد علي يعتقد أن الحرب بين فرنسا والنمسا تقترب من نهايتها، ويتوقع أن يعلن الباب العالي الحرب على إنجلترة، فتعمد هذه حينئذ - كي تحول دون وقوع تهديد قد تتعرض له ممتلكاتها في الهند من جانب فرنسا - إلى محاولة الاستيلاء على مصر حتى تكون قريبة من ممتلكاتها هذه، فقد صار ضروريا أن يحطم الباشا قوة البكوات المماليك إذا أخفق في الوصول إلى اتفاق معهم، يضمن مؤازرة هؤلاء لجيشه ضد الإنجليز عند نزول حملتهم في مصر؛ وذلك لأن الباشا يخشى أن يترك البكوات في هذه المرة موقف الحياد الذي وقفوه أيام حملة «فريزر»، وأما الضمان لذلك فهو حضورهم للإقامة في القاهرة تحت ملاحظته.»

ولعل هذا الاهتمام البالغ الذي ظهر من ناحية الباشا بأمر هذه التجريدة، هو الذي حدا بالشيخ الجبرتي أن يعزو خروج الباشا نفسه وولديه وكبار قواده إلى «وصول أخبار عن التجريدة التي خرجت منذ أواخر أغسطس أزعجت الباشا فاهتم اهتماما عظيما وقصد الذهاب بنفسه، ونبه في جميع كبراء العساكر بالخروج، وألا يتخلف منهم أحد، حتى أولاده إبراهيم بك الدفتردار وطوسون بك، وأنه هو المتقدم عنهم في الخروج يوم الخميس (13 سبتمبر)، واستعجل التشهيل والطلب.»

وفي 13 سبتمبر سافر الباشا إلى الجهة القبلية فعلا، وتبعه العساكر وأقام كتخدا بك محمد آغا لاظ، قائممقامه، واستقر هذا بالقلعة، وفي 23 سبتمبر سافر حسن باشا وعساكر الأرنئود، وبعد يومين خرجت الدلاة والأرنئود وباقي الأجناد والعسكر وبلغ جيشه حوالي الستة آلاف مقاتل، فلم يلبث أن ظهر التردد والانقسام في صفوف البكوات.

وكان هؤلاء قد اعتقدوا أن الباشا لن يستطيع تجهيز هذه الحملة الكبيرة ضدهم، والخروج بنفسه لقيادتها؛ لما يعرفونه من حاجته الملحة إلى المال، ولتوالي فرار الجند من جيشه بسبب عدم دفع مرتباتهم المتأخرة لهم، ولكن سرعان ما تبينوا خطأهم وانقسموا في ترددهم إلى فريقين: أحدهما أراد الاتفاق، والآخر صمم على القتال، ولكن هذا التردد والانقسام كانا كافيين وحدهما لأن يجعلا إقدامهم على الحرب مستحيلا. (6) البكوات يقبلون الصلح ويضمرون العداء

وعلى ذلك ما إن وصل الباشا إلى أسيوط، حتى عرض على كل واحد من البكوات مقترحات منفصلة للصلح، وتعذر على هؤلاء أن يجمعوا كلمتهم على أمر، فطلب عثمان بك حسن وإبراهيم بك - وهما أكبر مناوئي الباشا إصرارا على عدم الصلح - الاتفاق معه، وكان عثمان حسن البادئ في توقيع اتفاق يوائم بين رغباته ومصلحة محمد علي وحذا حذوه آخرون، وقبل إبراهيم الصلح، وأوفد ابنه مرزوق إلى معسكر الباشا، وكان هذا تسليما سريعا بلغت أخباره القاهرة حثيثا، فتحدث الناس بروايات عن الباشا والأمراء المصريين وصلحه معهم، وأن عثمان بك حسن ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الإبراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه، وأنه أرسل إلى إبراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا، فتلقاه وأكرمه، وأرسل هو أيضا ولده الصغير إلى الباشا فأكرمه.

وفي هذه المرة لم يعرض الباشا على البكوات اتفاقا يترك لهم التمتع بإيرادات مديريات بأكملها كما كان يحدث في السابق، بل أصر على مطالبتهم بدفع الميري، بل وكل الإتاوات والفرض الاستثنائية كذلك، شأنهم شأن سائر الرعايا في باشويته، وتشبث بوجوب تركهم الصعيد والحضور إلى القاهرة للإقامة بها، وظهر إلحاح محمد علي في التمسك بهذا الشرط الأخير؛ لأن بدونه لم تكن هناك فائدة ما من الاتفاق مع البكوات الذين أبوا وهم بعيدون عن القاهرة على نكث عهودهم معه - نقول ظهر إلحاحه هذا لدرجة أثارت معارضتهم له - ولكنهم أرغموا في النهاية على قبوله كرها منهم (في 5 نوفمبر 1809) وطلبوا إمهالهم لتنفيذه ثلاثة شهور؛ لتسوية شئونهم في الصعيد فأجابهم الباشا إلى ما طلبوا.

وغادر محمد علي أسيوط فوصل القاهرة في 2 ديسمبر، قال الشيخ الجبرتي إنه وصلها في تطريدة فقطع المسافة من أسيوط إلى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة، وصحبه في هذه التطريدة ابنه طوسون وبونابرتة الخازندار وسليمان آغا وكيل دار السعادة سابقا، ثم بعد وصول الباشا بثلاثة أيام، وصلت طوائف العسكر وعظائمهم، وفي 8 ديسمبر، وصل حسن باشا وطوائف الأرنئود وصالح قوج والدلاة والترك، ووصل القاهرة كذلك شاهين بك الألفي، وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الإبراهيمي، وهما اللذان حضرا في هذه المرة من المخالفين وتناقل الناس أن البواقي أخذوا مهلة لبعد التحضير. وحضر إبراهيم بن محمد علي وباقي العسكر في اليوم التالي.

Bilinmeyen sayfa