Mısır, 19. Yüzyılın Başlarında: 1801-1811 (Birinci Cilt)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Türler
وتضمنت هذه الرسالة شكوى محمد علي من سليمان باشا، وكانت شكوى مريرة، بدأها بقوله: إن هذا الأخير ينتمي إلى نفس الجنس الذي ينتمي إليه المماليك في مصر؛ ولذلك فهو بحكم هذه الصلة يهوى مساعدتهم قدر استطاعته، وقد كانت له بمحمد بك الألفي صلة وثيقة، والأخير في حياته كان أقوى البكوات خصومة لمحمد علي، ويعزو الباشا لمكائده السبب في إغراء البكوات: شاهين الألفي وزملائه الذين كان محمد علي قد نجح في الاتفاق معهم في العام السابق وحضروا مستأمنين يعيشون في القاهرة - على نحو ما سوف يأتي ذكره مفصلا - «فأسكنهم بها محمد علي بالاستئمان والصلح على أن يلتحقوا بخدمته، فكان سليمان باشا هو الذي دعاهم إلى العصيان، بتلقينه دروس الفتنة والفساد لهؤلاء (البكوات) في رسائله إليهم، التي صار يحضهم فيها على التمرد، ويحرك فيهم الفتنة، مبعث ذلك فساد رأيه ثم رغبته في تعطيل محمد علي عن القيام بالمهمة التي أسندت إليه؛ أي إنقاذ الحرمين الشريفين، الأمر الذي ترتب عليه كذلك، اضطرار محمد علي إلى تحمل نفقات كثيرة بسبب استئنافه للنضال والحرب مع المماليك. وفضلا عن ذلك، فقد دأب سليمان باشا على تحرير الشكاوى في حق هذا الخادم المطيع؛ أي محمد علي، إلى الدولة العلية، وإلى أولياء الأمور (بالباب العالي) دون أن يكون لهذه الشكاوى أصل أو سبب.»
ثم استطرد الباشا يقول: «ولكنه قد تمكن من إزالة غائلة المماليك بحد السيف ولله الحمد، بفضل ما يملكه من قوة وقدرة في ظلال جلالة السلطان، وأعطى المناصب التي كانت أعطيت للمماليك إلى رجال حكومته، فكان ما فعل سليمان باشا من حيث تحريك الفتنة والحض على العصيان، مبعث خير في النهاية، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
ومع ذلك، فلا يعني هذا انتفاء الخطر من ناحية سليمان باشا ؛ إذ يتوقع محمد علي عند إرسال ولده طوسون أحمد باشا مع جنده المشاة المعينين للذهاب بطريق البحر إلى جهة الحرمين الشريفين، وعند سفر محمد علي قريبا بطريق البر، بعد ذهاب ولده؛ يتوقع محمد علي قطعا أن يعود سليمان باشا إلى مألوف عادته القديمة، فيعمل على تحريك الفتنة، ويدأب على إلحاق الأذى به؛ حيث إنه عاجز كل العجز عن الذهاب إلى الحجاز، وإن كان قد طلب الباب العالي منه ذلك؛ لأنه لا جند ولا قوة لديه، ومع أنه يجب على محمد علي أن يمضي في مهمته غير عابئ بفتن سليمان باشا لاعتقاده أن من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، إلا أن المصلحة تقتضي أن لا يترك خلف المنتدب لمهمات جسيمة لم يتيسر لأحد القيام بها منذ خمس سنوات، وعشر سنوات، وعشرين سنة، من يقوم بتحريك الفتنة ضده، ويعمل على إفساد الأمور عليه، ولا أن يكون مثل هذا الرجل في جواره، حتى يهدأ خاطره ولا ينصرف ذهنه إلا للمهمة المكلف بها.
وعلى ذلك، فإذا دفع المشار إليه؛ أي سليمان باشا، وأزيل من جواره، ووجهت إيالة الشام إلى يوسف باشا كنج، مع التفضل بالصفح عن ذنبه والعفو عنه، وإبقاء وزارته؛ دخل الاطمئنان إلى قلب الباشا وتسنى إنجاز مأمورية الحجاز بكل سرعة.
وليس مبعث ما يسأله محمد علي سوى ما تستلزمه طبيعة المهمة المكلف بها، من حيث ما يجب لتسهيلها من دفع عوامل الشر عنه، ولم يكتب ما كتب لغرض نفساني ضد سليمان باشا أو لتحيز في جانب يوسف باشا، آية ذلك أنه ما كتب شيئا منذ أن ولي الوزارة في شأن هذين، سواء كان خيرا أم شرا، إلا ما أملته الوقائع الصحيحة، وقد توسط الآن في الشفاعة ليوسف باشا كنج حسبة لله؛ نظرا لأنه يدين بالعبودية لجلالة السلطان، ولا ذنب له، وتعرض لغضب جلالته، بسب ما افتراه عليه خصومه زورا وبهتانا، وحيث إن يوسف باشا قد التجأ إلى محمد علي ويعده مسموع الكلمة، وموضع اعتبار لدى الدولة العلية، يرجو محمد علي أن يقبل السلطان شفاعته، وقد قال تعالى:
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس .
واختتم الباشا رسالته بتكرار الرجاء في دفع سليمان باشا الذي يجزم محمد علي يقينا أنه يسعى في المفاسد المفضية إلى الشرور، والتي يتسبب عنها انشغال البال أثناء قيامه بمهمة الحجاز، ويرجو إبعاده من جواره ، مع إصدار العفو عن يوسف باشا كنج وإطلاقه، ومحو عقوبة الإعدام عنه وتوجيه إيالة الشام إليه، وأنه؛ أي محمد علي، لم يكن فيما سطره لا متحيزا ضد سليمان باشا ولا متجنيا عليه، فضلا عن أنه لم يكن مدفوعا بعوامل نفسانية ضد هذا الأخير لا سبب ولا موجب لها.»
وعاد محمد علي في 30 سبتمبر يكرر رجاءه في العفو عن يوسف باشا وإرجاع ولاية الشام إليه، وإبعاد سليمان باشا من جواره، فذكر نفس الحجج التي ذكرها في رسالته السابقة، مبينا أن بقاء سليمان باشا على حدود باشويته، يثير الفتن ويحبك خيوط المؤامرات ضده، ويعطل خروجه إلى الحجاز، مع ما يترتب عليه التأخير في إنهاء مهمة الحرمين الشريفين، واستشراء فتنة الوهابيين في بلاد العرب تبعا لذلك، من ضرر عظيم لا يقتصر أذاه على محمد علي، بل يلحق بالدولة بأسرها، وأكد الباشا أنه سوف يقوم بإنجاز هذه المهمة وحده ودون انتظار أية معاونة من أحد، بمجرد أن يقبل الباب العالي رجاءه.
ومع أن الباشا ظل مهتما في إكمال استعداداته لحملة الحجاز، وجلب سفن الداو أو الضاو إلى ميناء السويس لنقل الجند، فقد استمرت قضية يوسف كنج وسليمان باشا تحتل مكانا ظاهرا في تفكيره، وكان لا يسعه إنفاذ جيشه إلى الحجاز، وخطر البكوات المماليك لا يزال ماثلا، طالما بقي سليمان باشا يراسلهم، ويحضهم على جمع فلولهم، واستئناف القتال مع الباشا، والثابت أن الخطر المباشر، قد طغى في هذه الفترة على التفكير في أي غرض آخر، بعيد أو قريب، استهدفه الباشا من حملته المزمعة على الحجاز.
وقد شفع محمد علي وساطته في حق يوسف كنج لدى الباب العالي، ببذل المال الكثير في القسطنطينية، ونشط كتخداه محمد نجيب وسائر وكلائه، يسعون بكل همة لاستصدار العفو عن يوسف كنج وإرجاعه إلى ولايته، فكتب أحد هؤلاء، سليمان أفندي، منذ 19 سبتمبر يطمئن محمد علي بأن المساعي مبذولة لهذه الغاية، ولكن جهود هؤلاء الوكلاء لم تأت بنتيجة لتمسك الباب العالي بموقفه، وبدلا من أن يقبل هذا وساطة محمد علي بعث يأمر محمدا عليا برمي رقبة يوسف باشا، وجاء في أمره هذا إليه (في أكتوبر سنة 1810)، أن الباب العالي كان قد عهد إلى يوسف كنج بالولاية على مقاطعات غنية كثيرة، مثل دمشق وطرابلس الشام، لقاء أن يقوم بمحاربة سعود بن عبد العزيز وطرده من الحرمين الشريفين، ولكن يوسف كنج لم يفكر إلا في مصلحته الخاصة، ولم يهتم بهذه المسألة، بل إنه لم يلبث أن اتحد مع الوهابي، مع ما في ذلك من خروج على الشريعة الإسلامية، ولما كان السلطان قد علم أن يوسف باشا قد ذهب إلى محمد علي لاجئا، فقد أصدر أمره إلى هذا الأخير أن يبعث إلى القسطنطينية بأقصى سرعة رأس يوسف كنج مقطوعا.
Bilinmeyen sayfa