206

Mısır, 19. Yüzyılın Başlarında: 1801-1811 (Birinci Cilt)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Türler

Constantine Carriri

لتزويد «مسيت» بطائفة من المعلومات الصحيحة عن عدة مسائل هامة، فقد بادر بالكتابة إلى القائم بأعمال السويد بالقسطنطينية يشكو من سوء المعاملة التي لقيها، والإجحاف الذي نزل به وهو برشيد، مع أنه - كما راح يدعي - قد ترك وظائفه كنائب قنصل لإنجلترة بها قبل نشوب العداء بين تركيا وإنجلترة، ومع ذلك فقد صادرت الحكومة المصرية ممتلكاته وأحضرته إلى القاهرة، وعينت رجلا لحراسة منزله في رشيد، وشكا «بتروتشي» من إرغامه على إقراض الباشا مبلغي الأربعين ألف والعشرين ألف قرش سالفي الذكر، وطالب برد هذه المبالغ إليه وتأمينه على حياته وأمواله وهو المستأمن الذي من حقه كممثل لدولة صديقة للباب العالي (السويد) أن يتمتع بالرعاية التي لهؤلاء المستأمنين في ممتلكات الباب العالي، وقد رفع القائم بالأعمال هذه الشكوى إلى الباب العالي، وصدر أمر هذا الأخير إلى محمد علي في أكتوبر من العام نفسه إذا كانت هذه الشكوى صحيحة بدفع هذه المبالغ وإعادة ممتلكات «بتروتشي» إليه؛ حيث إن المحبة الصادقة تسود بين الحكومتين: العثمانية والسويدية، على أن هذه الشكوى لم يترتب عليها شيء وقتئذ لاستمرار حاجة محمد علي إلى المال.

بل إن هذه الحاجة إلى المال لم تلبث أن جعلت الباشا في أوائل أغسطس يطلب دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ، فكان المقدار المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسا، ولم يقو هؤلاء على دفعه، كما عجزت الطوائف الأخرى عن دفع المطلوب منها، فأغلقوا حوانيتهم والتجئوا إلى الجامع الأزهر، ووسطوا السيد عمر مكرم لدى الباشا، وأفلحت هذه الوساطة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا إليهم أمانا بذلك.

ومهما يكن من قسوة الوسائل التي لم يجد الباشا مناصا من الالتجاء إليها للحصول على المال، فقد توفر لديه بسببها قدر منه استعان به على دفع قسم من مرتبات الجند، حتى كتب الشيخ الجبرتي في يونيو ويوليو أنه قد كثر في هذه الأيام خروج العساكر والدلاتية وهم يعدون إلى البر الغربي، وفضلا عن ذلك فقد شرع الباشا في أوائل يوليو في تعمير القلاع التي كانت أنشأتها الفرنساوية خارج بولاق، وعمل متاريس بناحية ميت عقبة وغيرها، ووزع على الجيارة جيرا كثيرا، وأصلح سور القاهرة، ورمم في الأماكن المكشوفة ثم أقيمت المتاريس وحفرت الخنادق من عند قلعة «كامان»

Camin

أو قنطرة الليمون التي أنشأها الفرنسيون أيام احتلالهم إلى بولاق، وأنشئ حصنان صغيران بالمتاريس التي حفرت حولهما الخنادق العميقة ونصبت فيهما مدافع من نوع مدافع الحصار، وذلك في الأماكن الأكثر ضعفا في هذا الخط، وحتى يسيطر الباشا على الملاحة في النيل وضع بطاريات في الجزيرة الواقعة بين بولاق وإمبابة والتي يسميها الفرنسيون بجزيرة «لزاريط»

Lazarit ؛ لوجود مباني المعزل الصحي بها، وأمامها جزيرة بولاق أو القرطية يفصلها عنها قناة صغيرة تجف وقت انخفاض النيل، ثم حتى يمنع الملاحة في النيل ويحول دون وقوع هجوم سريع على القاهرة من ناحية النهر أغرق الباشا عددا من المراكب المثقلة بالرمال في قاع النهر تجاه إمبابة، وربطت بصواريها أوتاد أقامت في عرض النهر حاجزا قويا، ومكنت كذلك من وضع بطارية من المدافع على النهر نفسه، ثم أقيمت للغرض نفسه سلسلة من التحصينات على الشاطئ الأيمن للنيل حتى بلدة فوة لإعاقة الملاحة، وسيقت كل المراكب إلى القاهرة حتى لا يستولي عليها العدو فيتخذ منها نقالات لجنده وعتاده أو يجعل منها زوارق مدفعية صغيرة، ووسق الباشا عدة مراكب وأرسلها إلى ناحية رشيد؛ ليعمروا هناك سورا على البلد وأبراجا، وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وأنزلوهم في المراكب قهرا، وكان على الباشا فضلا عن ذلك أن يسد نفقات جند الدلاتية الذين أتوا من ناحية الشام ووصلوا القاهرة في 21 يوليو، وكانوا حوالي الخمسمائة، ثم إنه كان عليه كذلك أن يدفع مبلغا من المال لمصالحة ياسين بك الأرنئودي.

وكان تمرد ياسين من المسائل التي شغلت محمد علي منذ أن شق هذا عصا الطاعة قبل ذلك بعامين في الظروف التي مرت بنا، ثم انحاز إلى سليمان بك المرادي بعد أن لحقت به الهزيمة في الفيوم على يد الألفي، واتخذ من ذلك الحين الفيوم وأقاليم مصر الوسطى مسرحا لنشاطه، وعاث في هذه البلاد هو وشراذمه فسادا كثيرا، وكان ياسين - كما عرفنا - صاحب أطماع كبيرة ويحقد على محمد علي وصوله إلى الحكم، والولاية ويريد انتزاع ذلك منه، وتفاقم شره عندما انضم إليه سليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا الذي أتى مع القبطان باشا وقت أزمة النقل إلى سالونيك، وصار يسعى بين الألفي وسائر البكوات لحملهم على إجابة مطالب الباب العالي، ودفع الثمن الذي حدده لعودتهم إلى الحكم، فانضم إلى ياسين بك بعد هربه من الإسكندرية ووفاة الألفي، ودارت مفاوضات كثيرة للصلح بين محمد علي من جانب وبين كل من ياسين وسليمان أغا من جانب آخر، ووافق ياسين على شريطة أن يعطيه الباشا أربعمائة كيس، وطلب الباشا من جهته أن يذهب ياسين لمحاربة الإنجليز، ووافق سليمان أغا على الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبه بالضربخانة وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم، فأجابه محمد علي إلى ذلك، وبناء عليه، عبر ياسين النيل إلى ناحية شرق أطفيح، وفرض على أهل تلك الجهات أموالا جسيمة، واجتمع هؤلاء بصول والبرنبل بمتاعهم وأموالهم ومواشيهم، فنزل عليهم، وطلب منهم الأموال فقبضوا عليه، فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم في أبريل 1807، ثم تابع سيره حتى وصل في 26 أبريل إلى ناحية طرة، وحضر والده إلى القاهرة ودخل كثير من أتباعه إليها وهم لابسون زي المماليك المصرية، وفي 5 مايو دخل ياسين بك وسليمان أغا إلى القاهرة، وقابلا الباشا وخلع عليهما خلعتين سمور، وأغدق على ياسين النعم والعطايا، ودفع إليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له تقادم وإنعامات، وقلد أباه كشوفية الشرقية.

ولما كان الواجب على ياسين بمقتضى الاتفاق السابق بينه وبين محمد علي الخروج إلى الإسكندرية لمحاربة الإنجليز، فقد راح يطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه، وأخذ لهم الكساوي والسراويلات، وأخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والإفازة والمحاصرة إلى غير ذلك، وخرج ياسين بعرضيه إلى ناحية الخلاء ببولاق، ولكن ياسين كان قد بيت النية على الغدر بمحمد علي، واتخذ من دعوى التهيؤ للسفر إلى الإسكندرية ومحاربة الإنجليز ستارا يخفي وراءه نشاطه، فصار يحرض الجند من الأرنئود والدلاتية وغيرهم على الانضمام إلى معسكره، وانضم إليه فعلا كثير من هؤلاء، وصار كل من ذهب إليه يكتبه في جملة عسكره، وعاونه في هذا النشاط أنصار الإنجليز الأقوياء في القاهرة، وهم الذين سماهم «دروفتي» في رسالته إلى «سباستياني» بتاريخ 14 يونيو - وقد سبقت الإشارة إليها - فذكر من بينهم «روشتي» و«البطروشي».

وهكذا - على نحو ما كتب الشيخ الجبرتي - لم يلبث أن اجتمع على ياسين كل عاص وأذعر مخالف وعاق، وما إن تم له ما أراد حتى صرح بالخلاف، وتطلبت نفسه للرياسة، وكلما أرسل إليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك، وداخله الغرور، وانتشرت أوباشه يعيثون في النواحي، وبث أكابر جنده في القرى والبلدان، وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجة عن المعقول، ومن خالفهم نهبوا قريته وأحرقوها وأخذوا أهلها أسرى، فكان تمردا جديدا يخشى خطره لا سيما وأن ياسين بك صار يسعى لتأليف حزب قوي مناوئ للباشا، فبذل الباشا قصارى جهده لجعل الجند ورؤسائهم ينفضون من حوله، وأخذ في التدبير عليه، ونجح في استمالة العسكر المنضمين إليه، وحلل عرى رباطاته، فلما تم له ما أراد أمر في 27 مايو الجند الأرنئود بالاجتماع والخروج إلى ناحية بولاق، فخرجوا بأجمعهم إلى نواحي السبتية والخندق وأحالوا بين ياسين وبين بولاق مصر (أي القاهرة).

Bilinmeyen sayfa