Mısır, 19. Yüzyılın Başlarında: 1801-1811 (Birinci Cilt)

Muhammed Fuad Şükrü d. 1392 AH
161

Mısır, 19. Yüzyılın Başlarında: 1801-1811 (Birinci Cilt)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Türler

وفي مايو 1806 أصدر «تاليران» تعليماته إلى «سباستياني» الذي عين سفيرا فرنسيا جديدا لدى الباب العالي، وقد تضمنت هذه التعليمات فيما يتعلق بمصر التوجيهات الآتية: أن يلاحظ السفير الحالة في مصر التي صارت مسرحا للفتن والحروب الأهلية منذ أن جلا الفرنسيون عنها، فاستأثر بالسلطة فيها الترك والأرنئود والمماليك والعربان، كل جماعة منها بدورها، بينما انقسم المماليك على أنفسهم، وأدخل الإنجليز أنفسهم في الاضطرابات السائدة، وصار الباب العالي ولا سلطان له، ويخشى الجند والباشوات الذين يرسلهم من العمل بالاتحاد فيما بينهم لإعطائه في هذه البلاد السلطة التي يؤثرون اغتصابها لأنفسهم، ثم استطردت التعليمات توصي «سباستياني» بأن يدع الآن الحوادث تجري في هذه البلاد (مصر) دون أن يكون له دخل بها؛ حيث إنه فيما يحدث في المقاطعات الأوروبية التي للعثمانيين فحسب سوف يلقى في بعض الأحايين ما يوجب تدخله لتوجيهها؛ لأن في هذه ما يستغرق طاقة الباب العالي كما يستغرق طاقتك، وفي تعليمات إضافية قال «تاليران»: «إن الإمبراطور لا يريد مناصرة أي ثائر على الباب العالي، سواء أكان هذا يونانيا أم من أصدقائه القدامى في مصر والشام، وكل سياسته لحمتها وسداها الارتباط الوثيق بالباب العالي.»

ولا جدال في أن هذه التعليمات إنما تقر في جوهرها وتفاصيلها تلك السياسة السلبية التي درجت عليها الحكومة الفرنسية منذ استئناف علاقاتها مع مصر، زد على ذلك أن الإمبراطور نفسه كان لا يزال يمني نفسه بالتدخل في شئون مصر وفي صالح العصاة الثائرين على الباب العالي بالرغم من توكيده التخلي عن أصدقائه القدامى في مصر وهم البكوات من جماعة البرديسي خصوصا، فناقض نفسه في أمرين: أولهما اعتزامه إرسال «ماثيو لسبس» لاستئناف النشاط مع البكوات الموالين لفرنسا، وثانيهما الحرص على الاستماع لما يقوله مندوب البكوات أحمد كاشف عند ذهابه إلى فرنسا لبسط قضية إخوانه على الإمبراطور وطلب النجدة والمساعدة منه، وبالرغم من أن هذا الكاشف كان من بيت الألفي، وتفصيل هذه المسألة الأخيرة أن «دروفتي» كان قد أبلغ «تاليران» منذ 24 مارس 1806 أن أحمد كاشف جاءه ينهي إليه أنه مكلف من قبل الألفي بمهمة لدى الإمبراطور ويرجوه التوصية به وإعطاءه جوازا للسفر، ولكنه لما كان «دروفتي» قد عجز عن الوقوف على الغرض الصحيح من مهمته، ورفض أحمد كاشف أن يطلعه على أي ترخيص من جانب الألفي له بشأن هذه المهمة فقد رفض إعطاءه الجواز المطلوب، ومع ذلك، فقد استطاع أحمد كاشف السفر إلى فرنسا ووصل إلى مرسيليا، وعلمت حكومة باريس بوجوده بها.

ومع أن «دروفتي» استمر يبعث تباعا إلى حكومته بتفاصيل ما كان يجري من حوادث حتى وقت وصول القبطان صالح باشا وذيوع خبر الاتفاق الذي أبرم بين مندوبي الألفي بالقسطنطينية وبين الباب العالي، ثم بعث إلى «تاليران» منذ 12 يونيو بمناسبة ما وصله من رسائل من البرديسي الذي كلف المندوب الذي كان قد أوفده إليه «ماثيو لسبس» من سنتين مضيتا بالكتابة إلى «دروفتي» حتى يوضح له مدى ما يكنه من ولاء للحكومة الفرنسية، ثم انتظاره لتنفيذ الوعود التي أعطيت له، وطمعه في كرم الإمبراطور، ثم كتب تعليقا على ذلك: أن من رأيه (أي رأي «دروفتي») إذا اتضح أن الباب العالي قد قرر فعلا إعطاء حكومة مصر للبكوات، وذلك ما قد يضطر لفعله إذا شاء أن يجني أية فائدة من هذه المقاطعة، فقد يكون ملائما إنشاء صلات مع البكوات تفضي إلى تعديل ذلك النفوذ الذي للقناصل الإنجليز وهم الذين يذيعون بين الأهالي ما يوحي إليهم بأن الفضل في إقامة الوضع الجديد إنما ينسب إليهم نتيجة لتدخلهم، ومع أن «دروفتي» بعث يطلب في رسالته هذه تعليمات من حكومته، نقول: إنه بالرغم من ذلك كله، آثرت حكومة باريس التزام خطة الصمت، فلم تصل «دروفتي» أية تعليمات من باريس منذ تلك التي أصدرها إليها «تاليران» في 22 يوليو 1805، ومضت الشهور الطويلة دون أن تصل «دروفتي» أية توجيهات من باريس أو من القسطنطينية يسترشد بها في رسم خطته إزاء ما كان يقع من حوادث يومية لا ندحة عن تأثير نتائجها على المصالح الفرنسية سواء أكانت هذه تجارية أم سياسية، وقد ظل الحال على ذلك حتى رأى «تاليران» أخيرا أن يرسل إليه إخطارا في 28 يوليو 1806 يشعره فيه بأنه قد تسلم رسائله ويشكره على الأخبار المفصلة التي احتوتها هذه الرسائل، ويبلغه بأنه قد عرض بحوث «دروفتي» التي تناول فيها بالتحليل الدقيق الموقف في مصر على الإمبراطور، وقد اختار «تاليران» في هذا الإخطار أن يجيب على مسألة أحمد كاشف بأن هذا الأخير قد حضر إلى فرنسا في مهمة معينة، ثم إنه مما يسترعي النظر حقا، ويدل على انعدام وجود أية سياسة مصرية لحكومة فرنسا وقتئذ، قول «تاليران» تعليقا على هذه الأخبار المفصلة التي بعث بها إليه «دروفتي»: إن هذه مع ذلك لا تتطلب إصدار أية تعليمات خاصة من جانبي إلى أن قال: «ولكني سوف أستخدم مع ذلك المعلومات التي بعثت بها إلي عن المماليك!» وأما تخبط سياسة الحكومة الفرنسية فيبدو من انصرافها عن إرسال «ماثيو لسبس» إلى مصر وتعيينه للقومسيرية العامة في ليفورنة، كما أن بعثة أحمد كاشف إلى فرنسا لم يترتب عليها أي تعديل في سياستها.

ذلك كان الموقف إذن عندما نجح مندوبو الألفي في الاتفاق مع الباب العالي ونشأت أزمة النقل إلى سالونيك التي كادت تطوح بولاية محمد علي.

فكان على «دروفتي» - كما أسلفنا القول - أن يعتمد على ذكائه ومهارته، ويتدخل إيجابيا وفي صالح محمد علي مباشرة في هذه المرة حتى يحول دون استئثار الإنجليز بكل نفوذ أعلى في مصر.

ولقد سبق أن تكلمنا بإسهاب عن تطور هذه الأزمة والدور الذي قام به كل من «مسيت» و«دروفتي» أثناءها، وقد أزعج الأخير وأدهشه - كما أوضحنا - أن يرضي الباب العالي بإعطاء كل هذه السلطة العظيمة التي ينطوي عليها إنشاء النظام الجديد للألفي لما يترتب على ذلك من وضع موارد هذه البلاد تحت تصرف الإنجليز حماة الألفي، الأمر الذي يتعارض مع مصلحة الباب العالي ذاتها، ويؤذي المصالح الفرنسية في مصر، فكان هذا الانزعاج وهذه الدهشة هما مبعثا مبادرة «دروفتي» على الفور بإبلاغ محمد علي تفاصيل الاتفاق التي عرفها، وما إن اطمأن إلى موقف هذا الأخير وتصميمه على الدفاع عن ولايته بحد السيف وتقريره طلب النجدة من فرنسا إذا جاءت الألفي نجدات من إنجلترة حتى انبرى «دروفتي» يبذل كل ما وسعه من جهد وحيلة لتأييد ولايته، على اعتبار أنه وحده الرجل القادر على الوقوف في وجه أي اعتداء يأتي البلاد من ناحية الإنجليز أعداء فرنسا، واعتقد أن بقاء محمد علي في الحكم خير كفيل برد هذا الغزو المنتظر إذا قطع الباب العالي العلاقات بينه وبين إنجلترة؛ لأن محمد علي عدو البكوات أصدقاء الإنجليز.

فكان إذن بفضل نشاط «دروفتي» في هذه الأزمة أن امتنع الشيخ المسيري الموالي دائما لفرنسا عن دعوة مشايخ القاهرة للتعاون مع القبطان باشا على تنفيذ أوامر الباب العالي، ولو أن «دروفتي » نفسه كانت تساوره الشكوك من ناحية هذا الشيخ، ومع أن هذا ظل ممتنعا عن زيارة القبطان باشا منذ مقابلته الأولى له، ورفض بعد ذلك طلب القبطان باشا منه الذهاب لإقناع الدمنهوريين بالتسليم للألفي الذي وقف على حصار مدينتهم، ثم كان «دروفتي» هو الذي حاول ردع الألفي وتخويفه بنقل أخبار انتصار نابليون العظيم في معركة أوسترليتز، وذلك كي يشيع روح الهزيمة في معسكر الألفي، ويشن عليه نوعا من حرب الأعصاب لعله يخفف من غلوائه أو تهن عزيمته، فبعث إليه بأحد رجاله يحمل ترجمة عربية لتقرير واف عن معركة «أوسترليتز» التي أوقع فيها نابليون هزيمة بالغة بجيوش النمسا وروسيا في 2 ديسمبر 1805، فقابل مندوب «دروفتي» الألفي ولكن دون طائل؛ لأن الألفي - كما كتب «دروفتي» في 10 يوليو 1806 - اعتبر سلطة بونابرت العظيمة شيئا عابرا أو لا دوام له؛ لأنه إذا كان قد نجح في هزيمة النمساويين والروس فهو لا يستطيع الادعاء بأنه قد هزم الإنجليز الذين يولونه أي الألفي حمايتهم، وأن الألفي وقد تم الصلح بينه وبين الباب العالي صار لا يعبأ بما يحدث في أوروبا، وأنه لا توجد دولة على وجه الأرض تقدر على زحزحته من مصر، أو أن تأخذ منه بلادا هي ملك يمينه، وفضلا عن ذلك، فهو يرى في استمرار الحرب بين الإنجليز والفرنسيين أمنه وسلامته؛ ذلك أنه بينما يتطاحن هؤلاء الكلاب ويفني بعضهم بعضا يجد هو فرصته السانحة للجلوس على عرش مصر في فسحة من الوقت ودون عجلة، فيتحصن بها تحصنا قويا يجعله لا يخشى أحدا، وأما فيما يتعلق بالفرنسيين أنفسهم فهو يقينا يبغضهم؛ لأنهم حطموا قوة المماليك، ولأنهم أعداء للإنجليز، وأعداء الإنجليز هم أعداؤه كذلك.

و«دروفتي» هو الذي حاول كذلك أن يشل نشاط بكوات الصعيد، فقابل كخيا البرديسي، وأثمرت مساعيه معه، حتى إنه كتب إلى «تاليران» في 10 يوليو: إن كخيا البرديسي قد رجاه أن يظل الإمبراطور العظيم على عهده من عدم نسيان البكوات الذين لم ينحازوا أبدا إلى أية جماعة تعمل ضد صالح فرنسا أو إلى أعدائها، واتصل «دروفتي » بأرملة مراد بك، وأكدت هذه ولاءها لنابليون العظيم، وأعلنت سخطها ونقمتها على الألفي الذي باع نفسه للإنجليز عن جبن ونذالة، وحاول «دروفتي» كذلك الاتصال بكخيا إبراهيم بك الذي كان بالإسكندرية، ولكن هذا خشي من مقابلة «دروفتي» لئلا يسيء ذلك إلى الإنجليز فيؤذون مصالح سيده، الأمر الذي جعل «دروفتي» يقول في رسالته إلى «تاليران» في 15 يوليو: ومن هذا يتضح لكم كيف يبغي الإنجليز الفوز بالسيطرة في هذه البلاد، وزار «دروفتي» موسى باشا، وأنشأ معه صلات ود وصداقة، وعندما صار القبطان باشا يعمل لتمكين الألفي من الاستيلاء على دمنهور، حصل «دروفتي» على وعد من البرديسي بعدم اشتراكه في هذه العمليات، وقد كان حصار دمنهور الموضوع الذي استأثر بقسط وافر من انتباه «دروفتي» في هذه الأزمة؛ لأن حصارها على يد الألفي وإخضاعها كان جزءا من مشروع كبير - كما رأينا - قسمه الآخر الزحف على رشيد والاستيلاء عليها، فتصبح بفضل ذلك منطقة البحيرة والإسكندرية (وبهذه القبطان باشا) ورشيد في قبضة الألفي، الأمر الذي يجعل من السهل على الإنجليز عند مجيء حملتهم التي يشيع وكلاؤها قرب مجيئها أن تنزل بسلام وتخضع هذه المنطقة بأسرها وتهدد بعد ذلك الحكومة القائمة بالقاهرة، (أي حكومة محمد) علي تهديدا خطيرا وتقضي تبعا لذلك على المصالح الفرنسية بالبلاد.

وفي 25 أغسطس 1806 تحدث في كتاب بعث به إلى «تاليران» عن مساعيه لدى موسى باشا لإقناعه بتعارض مصلحته مع مصلحة الألفي وعن محاولاته التي بذلها للتأثير على القبطان باشا حتى يعطل استعداداته العظيمة التي شرع فيها لمعاونة الألفي، وقد عمد «دروفتي» إلى تشويه سمعة الألفي في كل مرة اجتمع فيها مع القبطان باشا، فراح يندد بعجز الألفي وعدم قدرته على ابتكار أية خطة نافعة أو اتباع ما يعهد إليه من خط بنجاح، وصوره بالرجل الذي لا يمكن أن تسلم إليه القيادة في الظروف العصيبة، وأنه إنما خدع الباب العالي عندما بالغ في وصف قوته، آية ذلك امتناع دمنهور عليه وفشل هجماته عليها لإخضاعها، ووصف «دروفتي» هذه الهجمات بأنها عمليات عسكرية قليلة النفع عديمة الأهمية .

ثم إنه كان في هذا الكتاب الذي بعث به «دروفتي» إلى «تاليران» في 25 أغسطس أن ذكر الوكيل الفرنسي وصول رسالة إليه من عثمان البرديسي يؤيد ما سبق أن أبلغه إياه الرسول الذي ذكره «دروفتي» في رسالته إلى «تاليران» بتاريخ 12 يونيو، ووعد «دروفتي»: بأنه سوف يجبب على البرديسي بأنه من المنتظر عودة «ماثيو لسبس» دون أي إمهال إلى مصر وأنه ولا شك سوف يأتي معه بتعليمات بشأن ما يطلبه، وحيث إن الإمبراطور يمتدح شجاعة البكوات ويشيد بإبائهم أن يبيعوا أنفسهم للإنجليز فإنه سوف يرحب بطلباتهم، وكان عثمان البرديسي قد تحدث في رسالته هذه طويلا عن الوعود التي قطعها له «ماثيو لسبس» ثم «دروفتي» نفسه، والتي كان مبعث عدم الوفاء بها سفر «لسبس» الذي هو من أعظم أصدقاء البرديسي وجماعته، ثم استطرد يقول في لغة تمزج بين طلب المعاونة من الإمبراطور والتهديد بالتخلي عن مؤازرة المصلحة الفرنسية ونحن نعرف خلق الأوروبيين لا سيما الفرنسيين الذين يتحمسون لخدمة أناس يجدون أنفسهم في مركز متحرج كما نفعل نحن، كما نعرف بخير تلك الأشياء العظيمة التي فعلها الإمبراطور بونابرت وأنه قد استولى على أوروبا بأسرها بحد سيفه وأنه قد صفح بعد ذلك عن أعدائه فأرجع إلى كل واحد من هؤلاء أملاكه، ونحن نعتقد أنه لا يزال يذكرنا ونرجو منه أن يصفح عنا ويبذل لنا المساعدة في كل أعمالنا، ولقد انتظرنا حتى هذه اللحظة لنرى أثر وعودك لنا وأنت تدري ولا شك أن هذا أمر تتحقق بفضله مصلحتكم، كما تعلم من غير شك أن هناك أناسا في وسعك الاعتماد على صداقتهم بدليل ما قدموه من براهين ساطعة على ذلك في الماضي، وأما إذا كنت لا تريد تنفيذ وعودك لنا فرجاؤنا منك أن تذكر لنا ذلك حتى نترك نحن أيضا هذا الانتظار، ولكننا نعتقد أن فرنسا لن تتخلى أبدا عن كلمتها أو تنبذ وعودا قطعتها على نفسها؛ ولذلك نرجوك أن تبعث من قبلك رجلا يحمل خطابات منك إلى الإمبراطور بونابرت وفي وسعك معرفة نوايانا وكل ما نبغي نحن فعله هنا من ترجماننا يوسف (وهو الذي حمل هذه الرسالة إلى «دروفتي»)، ونحن مستعدون لخدمتك، ومع أنه لم يسبق لنا شرف التعرف بك فقد سمعنا عنك أنك إنما تتحلى بكل صفات الأخلاق الحميدة والذكاء والحصافة، ونأمل أن تبلغنا ما صح عليه عزمك.

Bilinmeyen sayfa