خرجت العجوز من الباب إلى الحارة وهي تقول: هلمي، قد كف المطر.
تبعتها صاحبة البرقع الأبيض تمشي في حذر على أرض زلقة متجنبة نقرة مملوءة بماء المطر. عفى الزمان على ذكريات جمالها إلا الأثر. تنحيت جانبا وأنا أردد في نفسي سبحان الخلاق ذي النعم. واهتز الفؤاد من أعماقه، فقلت أتوكل على الله وخير البر عاجله. •••
في المدخل وحدنا وقد جلست تحت العذراء تعكس عيناها الزرقاوان نظرة مثقلة بالفكر. وكان المطر يهطل بلا توقف منذ الظهر والسحب تنتابها نوبات رعدية متفجرة. قالت المدام: مسيو عامر، إني أشم رائحة غريبة.
رمقتها بحذر فقالت باستياء: زهرة!
ثم بعد وقفة قصيرة: وسرحان البحيري!
انقبض صدري ولكنني تساءلت بسذاجة: ما تعنين؟ - أنت تفهم تماما ما أعني. - ولكن الفتاة ... - قلبي لا يخونني في هذه الأمور! - البنت طيبة وشريفة يا عزيزتي ماريانا. - مهما يكن من أمرها فإني لا أحب أن يلعب أحد من وراء ظهري!
إما أن تبقى زهرة شريفة وإما أن تعمل لحسابك. إني أفهمك تماما أيتها العجوز. •••
حلمت - وأنا مستغرق في القيلولة - بالمظاهر الدامية التي اقتحم الإنجليز على أثرها ساحة الأزهر. وفتحت عيني وأصوات المتظاهرين وطلقات الرصاص تدوي في رأسي. كلا، إنها أصوات من نوع آخر تجتاح البنسيون خارج حجرتي. ارتديت الروب وغادرت الحجرة وأنا من الانزعاج في نهاية. وجدت الجميع قد سبقوني إلى المدخل. البعض في حال استطلاع مثلي، أما سرحان البحيري فكان ثائرا متسخطا وهو يسوي الكرافتة وياقة القميص، كذلك زهرة كانت مصفرة الوجه من الغضب وقد تمزقت طاقة فستانها وراح صدرها يعلو وينخفض، على حين مضى حسني علام إلى الخارج بالروب آخذا معه امرأة غريبة وهي تصرخ وتسب، وقد بصقت في وجه سرحان البحيري قبل أن يغيبها الباب. وصاحت المدام: لا يجوز هذا في بنسيون محترم.
وجعلت تردد بحدة: «لا .. لا .. لا.»
ثم خلا المدخل إلا من ثلاثتنا - أنا وهي وطلبة مرزوق. سألت ولما أفق من النوم تماما: ماذا حدث؟
Bilinmeyen sayfa