94

Minhaj Muttaqin

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

قالوا: يستحيل وجود شيء لا من شيء، وهذا يقتضي قدم الهيولى.

قلنا: أتريدون يستحيل وجود شيء لا من فاعل مختار فصحيح، لكن فيه حدوث الهيولى، وقدم الباري تعالى أو تريدون يستحيل وجود شيء لا من شيء موجب فمحل النزاع.

قالوا: إنما أثر الله تعالى في العالم لكونه قادرا، وهو حاصل لم يزل، فيجب قدم العالم لحصول المؤثر فيه لم يزل.

قلنا: فأما كونه قادرا على جهة الصحة، فيجب تقدمها. قالوا: لو احتاج العالم في ثبوته إلى الصانع ومعلوم أنه لولا العالم لما ثبت الصانع، لأدى إلى التوقف لاحتياج كل واحد إلى الآخر.

قلنا: العالم يحتاج إلى الصانع في وجوده، والصانع يحتاج إليه في العلم به، فاختلف وجه الحالة، فلا توقف، ونظيره احتياج كل واحد من العلة والمعلول /64/ إلى صاحبه، واحتياج كل واحدة من الجناتين إلى الآخر.

قالوا: لو كان للعالم صانع قديم لكان إنما يفعله لداعي حكمه، وهو علمه بحسنه، وحصول نفع الغير فيه، وذلك الداعي حاصل لم يزل، فيجب حصول العالم فيما لم يزل.

قلنا: الداعي إنما يدعو إلى ما يصح، ووجود العالم في الأزل يستحيل، فلا يدعو إليه الداعي.

وتحقيقه أنه لا يكفي العلم بحسن الشيء، وحصول يقع للغير فيه، أو لنفسه في كونه داعيا، بل لأنه من أن يعلم أو يعتقد إمكانه، وكونه مقدورا، ولهذا لا يقال دعا أحدنا الداعي إلى أن يفعل لنفسه أو لغيره مالا وتبين لما كان مستحيلا من جهته، وإن دعاه إلى أن يوجد من جهة الله تعالى لعلمه أو اعتقاده صحة ذلك منه تعالى، فحصل من هذا أن علم الباري تعالى بحسن الفعل لا يوصف بأنه داع إليه إلا في حال إمكانه، ومتى انتهى إلى تلك الحال فإنما يفعل فعلا دون فعل، وقدرا دون ما زاد عليه، وفي وقت دون وقت؛ لأن هذا سبيل داعي الحكمة، ألا ترى أن أحدنا يتصدق بدرهم دون درهم وعلى فقير دون فقير، وفي وقت دون وقت، فلا يقال هلا وجدت هذه الموجودات أو أكثر منها دفعة واحدة في أول أحوال الإمكان.

Sayfa 97