أظهرها أن قالوا: أوليس علم الله وقدرته قديمة، وواجبة الوجود في الأزل؟ فقد صار واجب الوجود أكثر من واحد، فتلزم الكثرة في ذات الباري أو حدوث هذه المعاني.
قال: وهذا سؤال صعب وهو مما يستخير الله فيه. ثم استدل على ثبوت الصانع بأن العالم ممكن الوجود لذاته، وكل ممكن الوجود لذاته محتاج إلى المؤثر وبني ذلك على أن وقوع الممكن لا بد له من مرجح وادعى الضرورة في ذلك وقد ذكر في غير موضع من كتاب النهاية وكتاب الأربعين أن أحد الممكنين قد يقع لا لمرجح، ومثله بأن القادر يقع أحد مقدوريه لا لمرجح وأن الجائع يأكل أحد الرغيفين لا لمرجح، ومن أحد جوانب المائدة دون الآخر لا لمرجح، وكذلك الهارب إذا عن له طريقان ونحو ذلك، فكيف يدعي الضرورة في خلافه، ثم كيف يدعي كون هذا برهانيا.
وقد ألزمه الفلاسفة عليه كون العالم أزليا /39/ وإن افتقر إلى مؤثر، وكان ممكنا لذاته من حيث أن الممكن قد يحتاج إلى المؤثر حالة البقاء كمعلول العلة، وألزموه أن يكون الباري موجبا غير مختار بما يرجع إلى مذهبه في الإرادة القديمة واستحالة خلاف المعلوم، ونحو ذلك، مما يلزمه على مذهبه في الجبر وعلى ما وافقهم فيه من إبطال صحيح الأدلة.
ثم أنه تكلم في مسألة أن الله تعالى قادر، فأول ما قاله أنه حد القادر بأنه الذي يصح منه الفعل والترك بحسب الدواعي المختلفة.
قال: مثاله الإنسان، فإنه إن شاء أن يمشي قدر على ذلك، وإن شاء أن لا يمشي.
قال: والتفرقة بين المختار والموجب ضرورية.
قال: فإن أحدنا يفرق بالضرورة بين قيامه وقعوده وكلامه وبين كون الحجر هابطا بالطبع.
فيقال له: هذا تصريح بأن معرفة معنى القادر يتوقف على معرفة أن الإنسان قادر فاعل وأنتم لا تقولون به، ثم إن قلتم به فهو غير ضروري على التفصيل فلا يكون هذه المقدمة برهانيه على أصلكم المتقدم.
Sayfa 60